إيمان محمد
لطالما كان «الحمار» مضربًا للمثل في الغباء، تأتي القصص عنه بالعبر لتوجيه السلوك البشري، باعتباره بطلًا لمرحلة كان يستخدمها المعلمون والمربون كاستراتيجية للاعتبار من غبائه وتعلُّم النباهة والذكاء.
هكذا بدأ المعلم «عبدالله» بطل مسلسل «ثانوية النسيم»، أول يوم دراسي له مع طلابه المشاغبين بسرد قصة الحمار الذي كان يحمل أكياسًا ثقيلة من الملح، ثم قادته الصدفة للمرور بالنهر وذوبان الملح، وبعد ملاحظته أن الحِمل أصبح أخف بدأ يكرر سلوكه بالذهاب إلى النهر بعد كل عملية تحميل، غير أن صاحبه التاجر قرر أن يلقنه في أحد الأيام درسًا على سلوكه، فبدّل أكياس الملح بالقطن، وما إن نزل الحمار إلى النهر إلا والثقل قد زاد عليه، فكان له ذلك درسًا قاسيًا لم يعد بعدها لتكراره.
هذه القصة واحدة من العديد من القصص التي عاصرها جيل الثمانينيات في المدارس. غير أن الجيل الجديد والمختلف للطلاب المشاغبين في «ثانوية النسيم»، لم يمنعهم من المناقشة والحوار بمنطقية للقصة التي رواها المعلم. ومن هذا المشهد، تحديدًا، المكتوب بعبقرية، يأتي القرار الداخلي للمعلم للتعاطي مع الطلاب بطريقة البحث والتقصي عن أحوالهم الاجتماعية، فتبدأ أحداث المسلسل.
نقاط القوة في المسلسل الذي يُعرض على منصة «شاهد» لكاتبه علاء حمزة، ألمحها بداية في اختيار النسق الاجتماعي لشريحة طلاب في حي شعبي لهم طريقة محددة في الحب والتعبير عنه، ولهم أخلاق يعتزون بها من شهامة ومروءة، ولهم مصطلحاتهم الخاصة بهم وأغانيهم التي تلامسهم، وهذا يُحسب للكاتب، الذي انتقل بعد سرده لقصة الحمار على لسان المعلم من مباشرة القصة إلى الغوص في عمق المشاكل التي يعيشها الطلاب على طريقة تحديد المشكلة بتحليل«SWOT» من قبل معلم نفض غبار الجيل القديم من المعلمين عن الجيل الحديث من الطلاب، بأدوات متطورة عبر عنها باعتباره طالبًا مبتعثًا للتخصص في دراسة «إصلاح التعليم»، وبتطبيق إشراك الأسرة في هذا الإصلاح؛ إذ لن يكون للمعلم دور إصلاحي ملموس دون وجود تعاون حقيقي من الأسرة .
من نقاط القوة في المسلسل أيضًا الاعتماد على المواهب الجديدة، كون السيناريو مليئًا بالأفيهات الكوميدية والمواقف الساخرة.
ربما يحكم البعض على وجود شيء من التوجيه في نهاية المسلسل، لكن – في رأيي – أنها اُستخدمت في المكان المناسب لها، كون الصراع الأساسي القائم بين المعلم وطلابه هو صراع مهني وتربوي وتوجيهي له نهاية واضحة ومحددة منهجيًا وعلميًا.
المسلسل معايشة واقعية يحمل في أحداثه رسائل تربوية مباشرة وغير مباشرة للإدارة التعليمية وللمعلم والأسرة والطالب.