عبدالله الأسمري
هجان ينتمي لنوعية الأفلام الكلاسيكية التي ستعيش زمنا طويلا في أذهان الناس، وذلك يعود إلى أسلوب سرد القصة المألوف بشكل كبير، فَلم يعمد كتاب الفيلم إلى استخدام حيل في الكتابة لإثارة المشاهد وتحفيز تفكيره، بل اعتمدوا على قوالب معروفة لأفلام سباقات وأفلام الرحلة، وكذلك التزم النص بالبناء الأحادي للشخصيات الدرامية، فكانت كل شخصية تعبر عن طابع واحد سواء الخير أو الشر أو الحكمة إلى آخره.
وجميع تلك العوامل كانت ستؤدي إلى توقع أحداث الفيلم بسهولة، غير أن هذا لم يحدث ونجح الكتاب في هذا الاختبار الأصعب؛ الكاتبان مفرج المجفل وعمر شامة استفادوا من قوالب السيناريو المعروفة وأجادوها، ولكن المفارقة هنا أنهم استخدموها ضمن عالم جديد لم يتم طرحه في أي عمل قبل ذلك، وهنا تكمن أبرز نقاط التحدي التي نجح صناع العمل بجعلنا ملمين بكواليس سباقات الهجن بما فيها انعكاساتها على المجتمع والاقتصاد بفضل ما تحمله من تنافس شديد بين ملاك الهجن والهجانة أيضا.
وهذا ينقلنا للمخرج أبو بكر شوقي الذي قَدِّم على تحدٍ كبير في نقل حكاية بعيدة عن ثقافته وعن تجربته في فيلمه الروائي الأول (يوم الدين)، وحقق بذلك نجاحا باهرا يوازي نجاح مطر في مراهنته على فوز ناقته (حفيرة)، شوقي قدم لغة سينمائية مدهشة غاية في الجمال جمعت بين متناقضات الصحراء في ألوانها بين الثلوج البيضاء والرمال الذهبية، ومناخها المختلف كليا بين الشتاء والصيف، وكل هذا بطريقة سرد جذابة ومشوقة تتصاعد حدتها شيئا فشيئا مع مرور الوقت، وما ساعد هذا الرتم السريع والمشوق هي موسيقى التونسي أيمن بو حافة الذي صاغ موسيقى تصويرية رائعة قامت بإيصال جميع مشاعر الفيلم واستحضرت هيبة الصحراء وعمقها التاريخي، وما زاد الفيلم جمالا هو الاختيار المتقن للفريق التمثيلي وتوظيف كل ممثل في الدور الملائم له، وكان نتيجة ذلك تقديم أداء مبهر من جميع الممثلين من أصغر دور وصولا لبطل الفيلم عمر العطوي الذي قدم دور (مطر) على أكمل وجه وجعلنا نشعر بنضوج شخصيته على مدار الفيلم، غير أن عبد المحسن النمر كان هو الأبرز في الفيلم بأدائه لدور (جاسر الصقار) وتمكنه في إبراز تفاصيل هذه الشخصية الشريرة والمتسلطة واللاهثة وراء الفوز بطرق غير نزيهة ، ولكن خلف كل هذا الشر والتسلط شخص ضعيف ومنكسر يشعر بالدونية ولكنه دائما ما يحاول إخفاءها بماله وهندامه التي تجلب إليه المزيد من السخرية.
إن أبرز ما يميز فيلم هجان هو تمكن صناع العمل من صناعة فيلم شديد الإتقان يتغلب على مشكلات كثيرة دائما ما نراها تتكرر في الأفلام السعودية حتى الجيد منها، وبقصة بسيطة يسهل تلقيها والتفاعل معها لا تحتاج الى شخص ملم بأبعاد فن السينما أو يفهم البيئة الصحراوية الآتي منها الفيلم، فهو فيلم يخاطب جميع شرائح المجتمع ويدعوهم لمشاهدة عمل جيد ويحمل موضوعا جديدا.