جود فهد
أربعة عشر من ديسمبر يوم استثنائي في تاريخ السينما السعودية حيث يأخذنا المخرج علي الكلثمي إلى حياة «فهد القضعاني»، شاب يعيش في لوحة درامية معقدة يصاحبه اضطراب «القلق المعمم» الذي يتجسد في جميع تفاصيل حياته.
ركز المخرج على قلة الحوارات وجعلها بسيطة غير معقدة للمشاهد، وسُلط الضوء على شخصية فهد وهو يُبحر في عالمٍ متموج بين أضواء المدينة وعتمة همومه في فصل الشتاء الكئيب، وعمق التفكير الذي يتسلله وهو يتجول في شوارع الرياض الممطرة يتأمل كل شارع وكأنه يحمل له ذكريات، وحيث تظهر الأبراج في العديد من المشاهد لتوضح تباين الطبقات المختلفة ولعلها أشبه بشهود صامتين بما يمر به، وفي كل مشهد يقدم المخرج رؤية فريدة تأسر المشاهد، ولوهلة ينسى أنه فيلم.
فهد يمر بمصاعب وضغوط باستمرار، وخاصة نقطة فصله من وظيفته، من هنا تحولت حياته إلى دوامة فقد فيها التوازن من الناحية المالية؛ مما زاد الأمر صعوبة حالة والده الصحية ومصاريف أخته وابنتها الصغيرة، فحمل على عاتقه همومًا تهد الجبال فهو يسعى بشكل عشوائي لتحقيق الاستقرار النفسي والاقتصادي لهم. الأقوال سهلة والأفعال تطول.
عندما اشتدت حاجة فهد، قرر أن يفصح للشيخ عن معاناة والده المريض، وبعدها أخذوا يتبادلون الحديث وأشاد الشيخ بطموح فهد وقال له إن المستقبل أمامه، برغم أنه متحطم، وعندما أخذ الشيخ الملف ووضعه في درج مليء بملفات الناس وطلباتهم أدرك فهد أنه يواجه حقيقة مؤلمة ربما يطول حلها، وهذا ما نراه على أرض الواقع من «بعض» الأشخاص الذين يمتلكون المال وكيف يعدون الناس، لكن عندما تتلاشى الأضواء تتبخر الوعود ويبقى الكلام فقط.
جرعة اليأس
حين يتسلل فهد إلى إحدى البنايات التي خبئ فيها الخمور للكسب منها فيضعف أمام القارورة ويريد يرتشف محاولة إيجاد مخرج لهمومه، ثم يظهر اشمئزازه الفوري حيث يُخرج الخمر بقوة، بعدها يأخذنا المخرج ببراعة إلى منزله لتأتي لحظة عفوية ابنة أخته لتطرق الباب وتسأله إذا كان «بخير»، ورغم كل التحديات التي تعرقل فهد يظهر أن هناك رابطًا قويًا من أفراد عائلته تنقذه من لحظات الضياع.
صورة مهمشة
في لحظة الاقتراب التدريجي من فهد وهو يتصفح هاتفه في غرفته، تظهر صورة صغيرة غير واضحة على الدرج وكأنها تحمل عبء ألف قصة، وأعتقد لم يركز عليها أغلب المشاهدين، وتكمن قوة هذه اللقطة في الفصل بين الواقع المرير والأسرار المدفونة عن شخصيات قديمة ربما تعود لوالدته، وتعتبر لقطة مثالية من المخرج حين يهتم باستخدام أصغر التفاصيل لخلق تأثير عميق للمشاهد وجعله ينغمس في عقلية فهد لاستكشاف أوجاعه وأحداثه الخفية.
في ختام الرحلة السينمائية ولحظة خروج الجمهور لفت نظري شخص في منتصف الصالة يمسح دموعه، وتعتبر تلك الدموع بأن القصة لامست مشاعره، وهذه اللحظة تؤكد تأثير السينما حين تتجاوز الحبكة حدود الشاشة لتجتمع مع واقع المشاهد وتترك أثرًا عميقًا في ذاكرته.