عبدالله الأسمري
الفيلم يحكي عن إحدى شخصيات الهامش الغارقة في ظل تغير المدينة المهول تقنيًا أو اجتماعيًا أو فكريًا، وهذا التغير يسحق من دونه مثل بطل قصتنا «فهد القضعاني».
فهد شخص غارق بين جيلين: الأول نشأ في ظل سلطة تمنعك من فهم الحياة وتحديد دورك فيها بمفردك والانفتاح على من يخالفونك في معتقداتهم أو تصرفاتهم، والآخر جيل واكب هذا التقدم وعاش ضمن قوانينه الجديدة، بل أصبح محترفًا للعبة يكيفها أينما شاء؛ فهد اختار مواكبة التقدم ولكن لم يختر الطريق الأمثل الذي قد ينهكك لتصل إلى نهايته بسلام، واختار الصعود السريع ظنًا منه على أنها سرقة بسيطة لخمسة كراتين بمبلغ ألف وخمسمئة ريال للعبوة الواحدة، دون أن ينظر إلى عواقب هذا القرار الذي ابتدأ بدهس رجل وانتهى بسقوطه من الأعلى.
الحبكة التي صنعها الكاتبان علي الكلثمي ومحمد القرعاوي، في جعل فهد يتنافس مباشرة مع تجار للخمور، لم تكن الأمثل وكان بها مبالغة لقدرات فهد المحدودة التي تتناقض مع ما فعله، ولكن مشكلة كهذه في ظل وجود عدة مزايا يقدمها الفيلم أمر يمكن التغاضي عنه، خصوصًا أن زمن ظهورها على الشاشة لم يكن الأكبر؛ ففيلمنا يركز بالأساس على صراع خاضه فهد في قدرته على التعايش مع التناقضات التي طرأت على مجتمعه آخر خمس سنوات، وعلى صراعه مع المدينة الكبيرة والمكتظة بالبشر بمختلف طبقاتهم، فهناك من هم يملكون حق وجبة عشاء في مطعم فاخر يوميًا، وهناك من إذا رأى مطعمًا كهذا ظن أنه وصل لمكان باذخ لا يعرفه غيره. ودور المدينة في إظهار هذا الاختلاف كان بارزًا، فالرياض تعد هي البطل الثاني مباشرة بعد «محمد الدوخي» الذي قدم أداءً باهرًا أوصل جميع تراكيب الشخصية المعقدة وجعلنا نتابع مسار تحركاتها بشغف ونحزن على ما وصل به اختياره، وبطبيعة الحال شخصية كهذه في عالم السينما دائمًا ما تخلق حالة من تعلق الجمهور بها كغيره ممن قدم أدوارًا كهذه في أعمال من أهمها «taxi driver».
المخرج علي الكلثمي اعتمد في إظهار مدينة الرياض على ثيمة الظلام من خلال تصوير أغلب المشاهد ليلًا وفي أجواء ممطرة، وفي ظروف صعبة كتلك برزت لنا قدرة مدير التصوير المصري أحمد طاحون في تكوين كادرات سينمائية بديعة عكست دور المدينة في تأثيرها على مسار القصة وجعلها أكثر واقعية وجمالية.
في الآخر «مندوب الليل» أتى بتجربة فريدة وناضجة تألق الكلثمي في إبراز هويته في الفيلم من خلال قصص أصيلة تصُّور واقعنا الحالي وتُشَرِّح مدننا وشخصياتنا بعين ناقدة، ولكنها لا تخلو من الرومانسية والشاعرية في طريقة سردها.