منيرة الحمادي
تبدأ هذه الدراما النفسية الطويلة للغاية «ساعتين و49 دقيقة» والبطيئة في التسعينيات، من فيلم بداخل فيلم، حيث يقوم المخرج السينمائي ميغيل غاراي بإخراج فيلم، يكلف فيه ملك فرنسي يساري إسباني ممثلاً غير معروف نسبيًا يُدعى خوليو أريناس بالعثور على ابنته نصف الصينية المفقودة منذ فترة طويلة؛ المخرج ميغيل والممثل خوليو هما في الأصل صديقان قديمان، يتقاسمان الماضي في البحرية وفي السجن أيضًا. كان هذا هو الفيلم الثاني لميغيل وآخر فيلم لخوليو، حيث اختفى هذا الممثل بعد فترة وجيزة. ثم يتقدم سريعًا الفيلم حتى 20 عامًا. لم يصنع فيها ميغيل أي أفلام أخرى منذ اختفاء صديقه ذلك الحين، ولا يزال لغز اختفاء خوليو دون حل. يبدو أن العنصر في الاختفاء يمتد إلى المخرج الثمانيني لفيلم Close Your Eyes، الذي أخذ أيضًا استراحة طويلة من عالم السينما.
في مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي لعام 2023، حصل المخرج الإسباني فيكتور إريثيه على جائزة DONOSITA LIFETIME ACHIEVEMENT AWARD، كما كافأ بدوره جمهوره الكبير بعرض فيلمه الجديد «Close Your Eyes» لعام 2023، وهو الأول منذ عدة سنوات. إنه مكمل مناسب لحياته المليئة بالجوائز، مع 23 فوزًا وترشيحًا، بما في ذلك فيلمه الساحر «The Spirit of the Beehive» لعام 1973، الذي عززه إلى الأبد في قلوب عشاق السينما في جميع أنحاء العالم.
Close Your Eyes
يقرر برنامج تلفزيوني مهتم بالبحث والتقصي في القضايا التي لم تُحل في البحث في هذه القضية الغريبة والتحقيق فيها، وإجراء مقابلة مع المخرج والصديق ميغيل وأشخاص آخرين كانوا يعرفون خوليو عن قرب. يعتقد البعض أن الرجل انتحر، ويعتقد البعض الآخر أنه قُتل، ويتكهن أحدهم أنه ربما يكون هاربًا أو قرر ببساطة أن يختفي عن الجميع كما كان يفكر صديقه ميغيل في بعض المرات؛ لأن الفكرة لم تكن غريبة وسبق أن تناقشها مع صديقه «ماذا لو قررنا أن نختفي ونكون أشخاصًا آخرين؟!». ترك خوليو وراءه ابنة، وامرأة خجولة ذات عيون حزينة جدًا تدعى آنا «آنا تورنت». المشكلة هي أن آنا بالكاد تتذكر والدها؛ لأنه كان غائبًا جدًا طوال حياتها. الهدية الوحيدة التي قدمها لابنته كانت من خلال بابا نويل. إن ارتباطها العاطفي المهزوز وذكرياتها غير الموثوقة لا يساعدان إلا جزئيًا في هذا التحقيق غير الرسمي في قصة اختفاء والدها.
هذا الفيلم هو لفتة، تسمح لنا بإعادة خلق الواقع الذي أمام أعيننا بمحض إرادتنا، فهو يسمح لخيالنا بتحريف المعتقدات التقليدية، وتقليل الذكريات، وإعادة بناء الصور والانطباعات، تعمل هذه الإيماءة السهلة على التمكين، وتنقل عملية صنع القرار إلى الأشخاص الذين يهمهم الأمر حقًا. إذا كنت لا تريد رؤية شيء ما، فما عليك سوى ترك نظراتك تذهب إلى الاتجاه الآخر. في أحد أهم مشاهد الفيلم، تختار آنا أن تغلق عينيها، لا يوضح المخرج خيال شخصياته أو حتى الأفكار التي تطرأ عليهم، يترك المشاهدين بدلاً من ذلك يتكهنون بما إذا كان الخوف أم الأمل هو الذي سيطر على واقعها المغلق بعينيها.
يتطرق «Close Your eyes» إلى موضوعات تغلغلت في العديد من أعماله السابقة أيضًا، مثل موضوعات الخسارة والذاكرة والهوية. «إذا فقدنا ذاكرتنا، فهل سنظل نفس الشخص؟».
أحاسيس الشوق والفقد التي تغلف الفيلم ومعبرة عن الفراغ الهائل الذي يتركه الإنسان خلفه، سواء كان ذلك بسبب اختفاء شخص أو فقدان اتصال ذي معنى مع أحد والديك كما في فيلم «close your eyes»، أو في فقدان البراءة والغياب كما في فيلم «روح خلية النحل» 1973.. الخسارة هي في الواقع خسارة بطل القصة الذي اختفى في ضباب النسيان.
شخصيات الفيلم هادئة ويغلب عليها طبع التأمل، تشعر أنهم بانتظار معجزة سوف تحدث فجأة وتقلب الواقع رأسًا على عقب، وفي بعض الأحيان تشعر أنها شخصيات لا مبالية وغير آبهة على الإطلاق بما يحدث، لكن في الثلث الأخير من الفيلم كان الأمر مختلفًا تمامًا مع ميغيل عندما يقرر أن تنتهي قصة شحذ الذاكرة بالعودة إلى البداية، إلى السينما.