دينا رجب
تجد المنتجات الثقافية التي يغلب عليها الطابع التراجيدي الحزين وكآبة الأجواء، رواجًا كبيرًا، وتحقق انتشارًا واسعًا بمجرد طرحها، وبصفة خاصة القصص الدرامية الحزينة التي تسيطر على الأعمال السينمائية، والتي تعد من أبرز تلك المنتجات الثقافية السمعية والبصرية. وبالبحث في مقدمة أسباب هذا التفوق، فإن كلمة السر دومًا تكون «الجمهور»، المغرم بتلك النوعية من الأعمال، والذي يرفع إيراداتها بشباك التذاكر، ويجعل نسب مشاهداتها عبر المنصات الرقمية تعانق السماء.
دفع هذا الارتباط الوثيق بين الجمهور والأعمال الدرامية ذات الحبكات الحزينة والمؤلمة، الكثير من رواد المدارس الفنية الشهيرة وصناع السينما لضخ إنتاجات عديدة على مدار التاريخ السينمائي، وحتى الوقت الراهن من هذه النوعية الحزينة ذات النهايات المأساوية والمؤثرة جدًا في حبكتها، وهم على تمام الثقة بنجاحها نزولًا عند رغبات الجمهور. وکون السينما فنًا سابعًا شديد التأثير على القلوب والعقول؛ فإن أبرز ما يميزه هو نقل الواقع من خلال التجارب التي تشبه حياة الناس، ولكن مع إضفاء لمسات خيالية ودرامية على القصص الواقعية لإكسابها رونقًا إبداعيًا ساحرًا؛ فصناع السينما يبحثون طوال الوقت عن العناصر الجمالية التي تبرز لغة الصورة. ولعل تلك التجارب الواقعية التي تنقلها هذه النوعية من الأفلام، هي مفتاح نيل تعاطف المشاهد مع أبطاله وتعلقهم به، أو ربما لمعايشتهم تجارب شبيهة، وبالتالي فإنهم يعيشون معاناة الأبطال ويعشقون حبكات هذه الأفلام ويتفاعلون معها خلال متابعتها فتصبح أعمالهم المفضلة.
وبنظرة سريعة على تاريخ الأفلام ذات الحبكات الحزينة، نجد أن فيلم «The Passion of Joan of Arc»، تم اختياره عام 1929، من قبل المجلس الوطني الأميركي لمراجعة الفيلم كأحد أفضل الأفلام الأجنبية، وحقق الفيلم بقصته الحزينة نجاحًا كبيرًا عندما تم إصداره لأول مرة. وهو فيلم تاريخي صامت فرنسي من إنتاج عام 1928، للمخرج الدنماركي كارل تيودور دراير. وحبكته مبنية وفقًا للسجل الفعلي لمحاكمة جان دارك، الشهيرة في التاريخ الفرنسي بعذراء أورليان، والتي تُعدّ بطلة قومية؛ إذ لخص العمل محاكمتها وإعدامها حرقًا بتهمة «العصيان والزندقة»، عندما كانت تبلغ 19 عامًا في مشهد حزين تقشعر له الأبدان.
وحديثًا نجد أن القصص الحزينة تفوز أيضًا بقلوب وعقول الجماهير، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، حقق الفيلم السعودي الروائي الطويل «أغنية الغراب»، الذي لعب بطولته الفنان الشاب عاصم العواد، نجاحًا واسعًا ونال قبول المتابعين. وفي أحداث الفيلم يتم تسليط الضوء على مرض السرطان الخبيث الذي يدمر حياة كل من يصاب به ويحول حياة المقربين منه إلى حزن شديد؛ فالعمل يتناول قصة مأساوية لشاب يُدعى «ناصر»، يعيش حياة متخبطة ولا يستطيع فهم ما يدور حوله من أحداث، حتى تعليمه لم ينجح في استكماله؛ حيث إنه فشل في التخرج في كلية الهندسة، وفشل في بناء علاقة جيدة مع أهله، فيظهر طوال الأحداث اضطراب علاقته بوالده، الذي يناديه دومًا بألقاب مشينة متجاهلًا اسمه. كما أنه يصاب بالسّرطان وتتحول حياته إلى جحيم نتيجة هذا المرض الخبيث، ولا ينقذه منه إلا الفتاة الجديدة الآسرة التي تسيطر على هواجسه.