منيرة الحمادي
الفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الإسكتلندي ألاسدير جراي. وهو من إخراج المخرج اليوناني لانثيموس، المعروف بأفلامه الرمزية الفريدة والعبثية والنفسية مثل: The Lobster, dogtooth.
فرضية الفيلم غريبة. امرأة حامل تنتحر من فوق الجسر، ثم يأتي عالم يُدعى «جودوين باكستر» ويقوم بجرها من النهر ومحاولة إعادتها إلى الحياة باستبدال دماغها بدماغ طفلها الذي لم يولد بعد، ويعتقد بذلك أنه أنقذ حياة شخصين. وفي الحقيقة أنه خلق منهما حياة ثالثة مختلفة تمامًا، هذا سوف يذكركم على الفور بفرانكنشتاين، ولكن بدلاً من الرجل الغريب والمشوه؛ لدينا امرأة شابة وجميلة المظهر تدعى بيلا باكستر.
تستيقظ من الموت بعقل رضيع وجسد امرأة، تُنادي بيلا جودوين بـ«الله».. في محاولة رائعة للسخرية الفلسفية! ويرتبط الاثنان بعلاقة يمكن وصفها بأنها أبوية مع القليل من التوتر الجنسي بينهما، يعلمها جودوين السلوكيات الأساسية وسرعان ما يوظف أحد طلابه لاحقًا في الجامعة «ماكس ماكاندلز» لمساعدته في تجربته. تتطور مشاعر ماكس تجاه بيلا بشكل سريع جدًا ومفاجئ لها، رغم أنها لا تعبر عن الدهشة بالطريقة التي يفترض أن تعبر بها، وأعني كما يكون عليه الإنسان الناضج، ومع أنها لا تزال طفلة عقليًا وبإلحاح من جودوين، وافق ماكس على الزواج منها بشرط أن يعيش معها في منزل جودوين دائمًا وأمام ناظريه.
يوجد الكثير من السحر في شخصية بيلا. على سبيل المثال، صراخها المتنافر مع سلوكياتها الاعتيادية، والطريقة التي تسير بها في المنزل، عندما تترنح وكأنها غير متأكدة من كيفية عمل ساقيها، أو عندما تجلس على مقاعد كبيرة الحجم مثل الدمية ومندهشة من الحيز الذي يأخذه جسدها من المكان، وعندما تتناول الطعام بيديها وتضرب طفلًا وتحطم الخزف الصيني.. إيما ستون كانت مذهلة جدًا في الأداء. هناك مشهد رائع لبيلا عندما تكتشف طريقة إمتاع نفسها عن طريقة ممارسة العادة السرية وتبدأ بفعل ذلك في المنزل و أمام الجميع. أخبرها ماكس على الفور أنه ليس من المفترض أن تفعل ذلك، وأن موضوع عدم السماح لها بالقيام بأفعال معينة بسبب أن «المجتمع لديه آداب»، وبدأ يتكرر ذلك على أسماع بيلا ويثير دهشتها، وينبثق التساؤل: الله كما نعرفه لا يمكن رؤيته في أي مكان، ومن الواضح أن البشر قد اعتبروا أنفسهم الآن إلهًا، ولكن كما هو الحال اليوم في لندن وأماكن أخرى، فقد تم توريث بعض الأخلاق المسيحية إلى عصر ما بعد المسيحية، وبما أن التبرير المسيحي السابق للأفعال لم يعد مناسبًا الآن، فلا يمكننا تبريرها إلا بالدعوة إلى المحرمات دون تقديم أي مبرر آخر!
تهرب بيلا مع دنكان، وهو المحامي الذي عقد اتفاقية الزواج بينها وبين ماكس، بسبب رغباتها المتنامية التي لا تستطيع كبحها للمعرفة النقية، وبهذا يكون الإلهام الكتابي واضحًا، حيث نرى كلًا من جنة عدن والابن الضال. يسافر دنكان وبيلا حول العالم ويمارسان الجنس بطريقة وحشية ويخوضان تجارب أخرى تؤثر على معرفة بيلا وتشكل هويتها، ومن لندن إلى لشبونة إلى باريس، سرعان ما يدرك دنكان أن بيلا ليست امرأة عادية ويصاب بالإحباط بسبب افتقارها إلى الفهم للعالم الخارجي. وانهارت العلاقة بعد أن أهدرت بيلا أموال دنكان، وأصبح كلاهما فقيرًا في باريس، وتكتشف بيلا لاحقًا الدعارة وبدون أي توجيه أخلاقي تقبل العمل في بيت للدعارة. واستمرارًا لموضوع تحطيم الأعراف الاجتماعية في الفيلم، تجد بيلا متعة كبيرة في عملها كعاهرة وتظهر ذلك بوضوح وغرابة ودون أي تردد، واستطاعت من خلال عملها كعاهرة أن طورت أيضًا ذائقة للاشتراكية، ونراها تتطور فكريًا بشكل متسارع وغريب وحر، لكن التطرق إلى موضوعات الشيوعية في الفيلم لم يكن بطريقة تتشابك فعليًا مع أي قضايا. عندما يتم طرح الفلسفة، نسمع قليلاً عن إيمرسون، لكنه عديم الفائدة مثل الخيط السخيف الذي لا يؤدي إلى أي مكان ولا نتعمق في أفكاره حقًا. هكذا كان الأمر.
كان يحاول أن يخلصها دنكان من رغبتها في المعرفة، رغبة المعرفة التي اجتاحتها بعد أن هدأت هستيريا رغباتها الجنسية، إلى حد أنها أرادت اكتشاف الحياة التي كانت تعيشها مع زوجها في حياتها السابقة، لكن في النهاية هربت بيلا من كل الرجال حتى جودوين.. الفيلم ذو رائحة نسوية نفاذة استطاع لانثيموس إيصال كل أفكاره بطريقة أقل شراسة وأكثر رقة من المعتاد، لكن السبب وراء نجاح القصة الرمزية هنا هو مدى وضوح رؤيتنا لعقل بيلا المشع وحديث الولادة وهو يحتضن كل ما تقدمه لها الحياة: الجنس، والطعام، والموسيقى، والسفر. يبدو أنها كانت طوال الوقت تراقب حياتها الخاصة وهي في مواجهة الاختيار، يكون من الواضح لبيلا بشكل عام ما هو الشيء الحكيم الذي يجب فعله. هذا هو الخيار الذي تتجاهله عادة. إنها تذهب إلى المسار المثير للاهتمام بدلاً من ذلك، وتذهب إلى ما هو أبعد كما يفعل المخرج في الفيلم!