عبدالمحسن المطيري
بدأت الخدع البصرية في السينما منذ الفرنسي جورج ميليه وفيلمه الشهير A Trip to the Moon في عام 1902 ومن بعدها تطورت الخدع وأخذت مسارات متعددة ومتطورة، سواء البصرية أو التي تعتمد على التدخل التكنولوجي. تم استخدام الخدع في فيلم «Vertigo». وبدأ استخدام CGI، وهي باختصار حضور تقنية وتدخلها المباشر أثناء التصوير «وليس بعد التصوير» في westworld في عام 1973، ثم مع التجربة الأشهر للجمهور مع سلسلة Star War، ثم فيلم Tron في الثمانينيات، ومعه الفيلم المتواضع The Last Starfighter. كذلك في سلسلة Indiana Jones. ثم التجربة الأشهر مع سلسلة المدمر لجيمس كامرون في التسعينيات «Terminator». وفي نفس العقد أتى الفيلم الرسومي Toy Story الذي استخدم التقنية لأول مرة في تاريخ الرسوم المتحركة، قبل أن تتحول هوليوود تدريجيًا إلى تكثيف استخدام التقنية في أفلامها، خصوصًا الخط التجاري حتى يومنا هذا.
في وقتنا الحالي أصبح استخدام تقنيات CGI مبالغًا فيه، إذ إنه مربوط بالذكاء الصناعي البعيد عن الأنسنة، ومرتبط بالرأسمالية الربحية، ومحصور في هدف خفض التكاليف، بل تعدى المفهوم الربحي وأصبح خطرًا على الصناعة، وساهم استخدام المؤثرات المكثف في تقليص عدد كبير من الوظائف الحيوية في هوليوود، خصوصًا المتعلقة بالمؤثرات البصرية الحية، أو في الديكور والتصميم؛ مما ساهم في خلق حالة من الاحتقان بين النقابات الفنية والشركات الهوليودية، وتطورت فيما بعد إلى الإضرابات التي بدأها الكتّاب وانضم إليهم بعض العاملين من الصناعة من ممثلين وفنانين وحرفيين.
هناك بعض المخرجين ما زال يؤمن بالعقل البشري، الذي هو الأساس للإبداع السينمائي، مثل نولان الذي يرفض كثيرًا الاستخدام المبالغ فيه للمؤثرات البصرية التي ساهمت في تحويل بعض أفلام هوليوود مثل “مارفل” وغيرها لمجرد تجربة ألعاب قريبة من تجارب عالم ديزني.
في فيلم Gravity الذي قدم التقنية بشكل واقعي غير محسوس من المشاهد، مقارنة ببعض أفلام الفضاء الأخرى، نعيش بالفعل مع شخصيات الفيلم في الفضاء ونبحر معهم في واحدة من أفضل الأفلام الحديثة التي أحسنت في نوعية نمط CGI المستخدم.
أحد أجمل الأفلام الحديثة التي استطاعت الاستثمار الجيد في المؤثرات البصرية، هي تجربة المخرج الصيني “آنج لي” في Life of Pi الذي قدم فيلمه بشكل فني إبداعي، بعيدًا عن أنماط استديوهات “مارفل” المكثفة في المؤثرات أو عدم الواقعية.
أنسنة التقنية والوسائل الحديثة والمونتاج للتواصل البشري والحسي والروحاني، “آنج لي” يقدم نموذجًا جديدًا للتعامل مع تقنية CGI المختلفة كليًا عن أفلام وسائل* الترفيه الملاهي الحديثة الرأسمالية والمادية الصرفة لمارفل وأخواتها مثل: ديزني وسوني ودي سي، باستثناء سلسلة نولان، وغيرها، ممن بالغت في استخدام التقنية لدرجة أن كل وسائل التصوير والممثلين والإبداع متعلقة فقط في تلك التقنية.
على العكس تمامًا فهم “آنج لي” التقنية والمؤثرات ووضعها في محلها الصحيح. ويؤدي المونتاج دورًا رائعًا في هذا الفيلم، من ناحية الإيقاع الروحي والمتأمل بشكل وجداني والمندمج مع طبيعة القصة الغريبة والرائعة في ذات الوقت.
أحد أهم الأفلام الحديثة التي يحتاجها جمهور السينما في وقتنا الحالي بعد تدميرها من قبل يسارية وجندرية نيتفلكس، ورأسمالية شبابيك التذاكر المتوحشة التي تدفع بالأفلام لتكون فقط ماكينة ربح مثلها مثل مكائن القمار في لاس فيغاس.
هذا الجزء من الفيلم كان هو الأكثر من الناحية الزمنية، لذلك كان تصوير الفيلم الإبداعي من ناحية المؤثرات محدودًا في قارب وبركة ماء، ولكن برؤية المخرج المتميزة ومع طاقمه التحريري والبصري والتصويري البديع، شاهدنا واحدًا من أهم الأفلام التي استطاعت تحويل تلك الرقميات لظاهرة سينمائية بصرية ممتعة للعين على عكس بعض الرقميات المستخدمة بشكل مبالغ فيه في سلسلة X MEN مثلاً، أو أفلام السوبرهيرو، التي كان الهدف من استخدام التقنية فيها اقتصاديًا وليس فنيًا. ومن هنا يبرز هذا الفيلم الذي تشاهده وأنت متجاوز للتقنيات وتتعمق في القصة بلا ملاحظة تذكر في تفاصيل CGI وغيرها.