نجلاء محمد
ما الجدوى من تحويل فيلم سينمائي شهير وناجح ويعتبر من أيقونات السينما لفيلم سينمائي آخر حديث؟ وما الإضافة التي قد تحققها رؤية جديدة لعمل شديد الاكتمال والألق؟ سؤال ستسأله لنفسك كثيرًا عندما تشاهد فيلم “أنف وثلاث عيون” بالرؤية الجديدة للمخرج أمير رمسيس، ومن بطولة: ظافر العابدين، وأمينة خليل، وسلمى أبو ضيف.
الفيلم الأصلي المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس وأخرجه حسين كمال، عرض عام 1972، وهو من بطولة محمود ياسين وماجدة ونجلاء فتحي وميرفت أمين ونخبة كبيرة من النجوم. ودار حول الطبيب هاشم الذي تتعدد علاقاته العاطفية، ويقع في حب ثلاث نساء: إحداهن متزوجة، والثانية تعيش بعلاقة محرمة مع رجل ثري بسبب فقر عائلتها، أمَّا الثالثة فهي فتاة في بداية العشرينيات وتتمتع بحرية وجرأة واستهتار، وهذا يجعله يقع في عشقها غير عابئ بمن دمر حياتهن من نساء.
النص الأصلي الذي كتبه السيناريست مصطفى كامل، وعاصم توفيق، كان شديد التماسك ورائع الحبكة، ومنح كل شخصية مساحة جيدة من الدراما بنيت على تاريخ واضح ومبرر، لكن بالعمل الجديد تجد الطبيب هاشم معقدًا نفسيًا بدافع أزمة في طفولته، ويجلس أمام معالجة نفسية ليشرح علاقاته المهلهلة بالنساء.
تتلاشى الشخصيات الرئيسية بالعمل الأصلي كأمينة التي قامت بدورها ماجدة، ونجوى التي جسدتها بإتقان نجلاء فتحي، لنجد أنفسنا أمام شخصية الفتاة الأصغر (ميرفت أمين وجسدتها سلمى أبو ضيف) بشكل غير مفهوم، وحتى المعالجة النفسية كانت مجرد مستمعة لمشكلات رجل لا نفهم سبب علاقاته التي ينجح في تدميرها بلا مبرر سوى تعلقه القديم بوالدته وموتها لأسباب مرضية.
يتحدث دائمًا المجددون لأعمال أيقونية وهامة بأن لهم رؤية وأنهم اختزلوا تلك الشخصية، وهذا الخط الدرامي من أجل التغيير. ولكن بالنسبة للروايات التي عشقها الجمهور وحفظها الملايين عبر مشاهد جسدت الأحداث على الشاشة، هل يجوز الاختزال والتدمير إلى هذه الدرجة من أجل رفع راية التجديد والانتصار لرؤية عصرية؟
لم يكن «أنف وثلاث عيون» بنسخة 2023 موفقًا في نقل المشاعر الحقيقية للشخصيات ولا اللحظات الرومانسية، والكارثة أننا واجهنا مشكلة أكثر خطورة من فكرة الرؤية والتجديد، وهي أزمة الرقابة وعدم السماح بتصوير مشاهد لها بعد عاطفي كما حدث بالرواية والفيلم لتعبر عن العلاقات العابثة للطبيب الأربعيني بحثًا عن الحب والرغبة والأمان أحيانًا.
لم تشفع نجومية ظافر العابدين في إنقاذ عمل فارغ من المشاعر وخالٍ من تاريخ الشخصيات، ولم تنجح موهبة صبا مبارك التي جسدت دور المعالجة النفسية في الشعور بوجودها الدرامي في العمل أو في حياة الطبيب، فجاءت كل المشاهد كأنها قراءة مبدئية متسرعة لأول صفحة في رواية من 1000، فجاء «أنف وثلاث عيون» بلا رؤية ولا رائحة.