عبدالله الأسمري
يستعرض فيلم «فتاة المصنع» قصة «هيام»، فتاة تنتمي إلى فئة مهمشة نالت قدرًا متدنيًا من التعليم وتعمل في مصنع كغيرها من فتيات هذه الطبقة الاجتماعية، ولكن تميزها صفتان دائمًا ما نراهما في شخصيات محمد خان وهما الشغف والفروسية.
الشغف الذي يجعل هذه الشخصيات حالمة ومنطلقة بخطوات سريعة نحو مصائرها من غير خوف أو نظر لعواقب الأمور، وقد رأينا هذا في شخصية «هيام» الشغوفة بالحب والحياة والحالمة بعلاقة تجعلها تتغلب على الفقر والكبت والعمل لساعات طويلة بأجر لا يؤمن أبسط مقومات العيش.
الفروسية، فأبطال خان دائمًا ما يتصفون بالفروسية التي تجعلهم يؤمنون بفكرة أو بقضية أو بأسلوب عيش لا يتماشى مع الأخلاق السائدة في المجتمع، وباستعداد تام للدفاع عن إيمانهم والتضحية لأجله، حتى لو بدت قضاياهم وأفكارهم خاسرة وغير منطقية، وهيام تتميز بهذه الفروسية التي جعلتها تؤمن بقوة الحب والقتال لأجله، دون اعتبارها نزوة عابرة، حتى لو اتهمت بفقد عذريتها.
خان والمرأة في أفلامه
يُعد محمد خان من أكثر المخرجين المصريين الذين استعرضوا مأزق المرأة في المجتمع العربي، الذي بُني على فكر ذكوري يصدر أحكامًا متسرعة على المرأة ويجعلها مكونًا ثانويًا في المجتمع، وهذه العوامل تنعكس بشكلٍ مباشر على علاقات النساء بعضهن ببعض، فإن كان المهندس «صلاح» هو شرير الفيلم فكذلك يوجد أمه التي تحتقر هيامًا ومشرفة المصنع التي تفرض رقابة أخلاقية على العاملات، وأيضًا جدتها وما قامت به من فعل قاسٍ تجاه هيام بسبب تشبعها بهذا الفكر لعقود من الزمن.
سيناريو «وسام سليمان» تناول قصة في غاية السوداوية بأسلوبٍ بسيط فيه الكثير من القيم الجمالية، وروح كوميدية لم تفشل في إضحاكي، وحوار مبتعد عن الخطابات العنترية، وبدوره عكس محمد خان هذا السيناريو بأسلوب غاية في الرومانسية حكى القصة بلقطات بصرية تعكس حالة الشخصيات وبشريط صوتي جذاب وغني بكثير من أغنيات السندريلا سعاد حسني، التي وصفها خان في مقابلة تلفزيونية بأنها داخل كل وجدان فتاة عربية.
بهذا الفيلم عاد خان بعد غياب ست سنوات لظروف إنتاجية خارجة عن إرادته، وكانت عودته محملة بسمات عوالم خان الفريدة، المدينة وجعلها من أبطال القصة، وتكوين كادرات ممتعة تحمل قيمة جمالية عالية وقادرة أيضًا على إيصال الحالة النفسية للشخصيات، الشريط الصوتي وثرائه بموسيقى أصلية أو الاستعانة بموسيقى خارجية كما فعل في فيلم “الحريف” باستخدامه لأغنية هاني شنودة “الشوارع حواديت».
كل هذه السمات تجلت ببراعة في هذا العمل الذي أعتبره رسالة يهديها خان لمن تعلق بأعماله الخالدة في تاريخ السينما المصرية والعربية.