سلطان القثامي
يتناول فيلم «الهامور ح. ع»، من إخراج عبدالإله القرشي، قصة هامور البطاقات المعروفة، التي حدثت قبل عقدين من الزمن في مدينة جدة، وهي إحدى أكبر قضايا الاحتيال في تاريخ المجتمع السعودي. وتتلخص حبكة الفيلم في سيرة حياة «حامد» وهو حارس أمن ناقم على وضعه المعيشي ويحلم بالثراء.
انتقل للعمل كموظف في مركز الاتصالات بإحدى الشركات، بوساطة أحد أقاربه، ثم حاول برفقة صديق الطفولة وزميله في العمل الخوض في نشاط بيع بطاقات إعادة الشحن وبناء رأس مال وتوزيع أرباح وهمية لتضليل الناس وإقناعهم بضرورة المساهمة بأموالهم لاستثمارها وتنميتها، ثم يفشل في نهاية المطاف في استرجاع هذه الأموال.
يصور الفيلم حالة الإحباط السائدة عند فئة من الشباب يتخيلون ويطمحون في تحقيق الثراء السريع، والذي يتبين لنا من خلال الفيلم أنها تصورات ليست واقعية ومحفوفة بالمخاطر.
تقمص حامد في بداياته شخصية رجل الأعمال الذي يحاول تحقيق مكاسب من أنشطة ممنوعة نظاميًا. فالممنوع نادر وبالتالي باهظ الثمن. لكن هذه التجارة المخالفة غير آمنة، كما تبيّن لاحقًا، عندما حاول تهريب مجموعة من الهواتف الذكية من البحرين إلى السعودية، لكن تمت مصادرة بضاعته وخسر جميع أمواله.
في الفيلم نقد صريح للثراء السريع، وهي ثقافة غير واقعية، وإن حدثت فهي مرتبطة بأعمال مشبوهة وغير قانونية. يقول حامد عند التحقيق معه «أنا مو حرامي أنا رجل أعمال» محاولاً التحايل على القانون، مستفيدًا من فرصة وجود محامٍ بين شركائه في مشروعه التجاري. لكن هذا النوع من القصص الاجتماعية – تجربة الفقر والحلم بالثراء – التي تناقش الحراك الاجتماعي، ليست مختلفة أو فريدة في مضمونها، لكن يتفاوت التعامل معها بين فنان وآخر، ولكل فنان منظوره الإبداعي في التعامل مع الأحداث الاجتماعية.
لم تفتقد القصة الكثير من الابتكار أو الإضافات كونها شائعة ومكشوفة التفاصيل، فلا يتوقع المتلقي أحداثًا مغايرة أو ملابسات خفية في الموضوع. لكن احتاجت إلى قوة في الصناعة السينمائية قادرة على إعادة فتح القضية، لكن بأبعاد مختلفة.
وكون السينما متعددة الأدوات، كنت أترقب كمتلقٍ كثافة استثمار التقنيات المرئية في خلق معانٍ جديدة وربما سياق مدهش للقصة. لكن هذه الدهشة المتوقع حضورها انعدمت طوال مشاهدة الفيلم ولم تساعد التقنيات السينمائية في بعثها – في نفسي على الأقل – وفقد العمل قدرته على التشويق بعد الساعة الأولى من بدايته. لكن يمكن تبرير هذا بواقعية العمل؛ أي أن العمل اختار البساطة في تركيبته كونه واقعيًا ويميل المخرج الواقعي عادةً لتصوير الواقع بأقل الأدوات الممكنة دون تكلف، كما عهدنا في الواقعية الجديدة من حول العالم.
واختار الفيلم اللغة المحلية في البيئة الحجازية وأبرز الظروف الطبقية المسببة للمعاناة، وأثرها في تنشئة الشباب في الأحياء الفقيرة. لكن الواقعية عمومًا لا تتعارض مع الإضافات المنطقية للنص من خلال المؤثرات البصرية والسمعية.
كما أن الواقعية تستدعي فهم القوى الخفية التي تصنع الحدث وتقود إلى النتيجة أو ما بعد الكارثة. اكتنف الفيلم الكثير من الغموض في محاولة تمثيله للكيفية التي حدثت بها قضايا الاحتيال، والتعقيدات المرتبطة بالحادثة الشهيرة.
يظل فيلم «الهامور ح. ع» محاولة جريئة في فهم الصراعات الفكرية في المجتمع في بداية الألفية، وفي نقده لظاهرة الثراء السريع والالتباسات الأخلاقية المتعلقة بكسب المال، ورغبات الحراك الاجتماعي لدى الأفراد.