فهد السعير
في غرفته الصغيرة ينبري الطفلان في تقليد بطلهم الخارق، حركاته وأصواته وجمله الشهيرة، ليس أكثر من انبهار بالشخصية الكرتونية التي يستمتعون بمشاهدتها عبر الشاشة الكبيرة أو الصغيرة التي باتت متوفرة في كل بيت، ينسجون حكايات بحبكة الكاتب الماهر وهم يصرخون بنبرة ذلك النجم المتحرك بخصائص الكمبيوتر.
تظل «سينما الطفل» رائدة في كل العصور، فلا تخضع لعوامل التعرية المناخية ولا الأمهات ستحجمن عن ولادة الأطفال. وطالما الأمر كذلك، فإن هذه النوعية من الإنتاجات تبقى خالدة عبر الزمن، تتجدد مع التطور التكنولوجي، وتواكب خيالات الواقع والمستقبل.
ينبهر الأطفال بعالم الألوان الممزوج بصور وموسيقى وخيال يأسر النشء ويخلط مشاعره الجياشة، وينقله إلى فضاء سحري مليء بالتجارب الثريَّة بالمواقف التي ترتقي بحدسهم ومداركهم، المليئة بمغامرات وقدرات سحرية خارقة، فيتحّول لديهم الأبطال الخارقون إلى قدوة، تذكيها عناصر الإبهار والمؤثرات الصوتية والبصرية.
لذلك، فإن «سينما الطفل» تترك انطباعات وتأثيرات عديدة على التكوين الفكري والمعرفي للأطفال، وتشكّل وعيهم بشأن الكوكب الذي نعيش في كنفه، وكلها انطباعات ممزوجة بعناصر تربوية إيجابية، من شأنها صقل وتعزيز القيمة الفنية لديهم، من خلال مخاطبة حواسهم، وإثارة حدود التفكير النقدي والخيالي.
من هذا المنطلق، دأبت هيئة الأفلام في المملكة العربية السعودية على إعطاء سينما الطفل حقوقها الطبيعية، من خلال تعزيز عوامل الجذب للمنتجين والقائمين على الصناعة لإنتاج مزيد من الأفلام التي تخلق طابعًا عربيًا سعوديًا لأفلام الأطفال، واستغلال عناصر التقنية الجديدة، ودمجها في أفلام الرسوم المتحركة والأنيميشن؛ بالإضافة إلى صناعة أفلام تعليمية تنقل الدروس التعليمية بشكل أكثر فعالية.
الأمر لا يقتصر على الإنتاج فقط، فقد اهتمت السوق السينمائية السعودية بصالات العرض، من خلال إنشاء تجارب جديدة على غرار تجربة «كيدز» التي استضافتها بعض دور العرض بالمملكة، وتوفير صالات ذات طابع خاص بالأطفال، عبر ألوان زاهية ومقاعد تناسب بيئة الطفل، واختيار عروض تخاطب عقل الطفل.
يمكن للسينما أيضًا أن تنقل رسائل ثقافية متعددة للأطفال، بفضل تأثير الحركة الذي يفوق بكثير الأعمال المقروءة، فإذا خيّرت طفلًا بين قراءة كتاب أم مشاهدة فيلم، فلن يتردد في اختيار البديل الثاني، أو أي بديل مرئي توفره الأسر لأبنائها.
على أن ما سبق يحتاج إلى خطط مدروسة بعناية، من قبل خبراء متخصصين، تتضمن – على سبيل المثال – طرح أفكار جديدة لتنمية القطاع الفني، والتفكير في مشاركة الأطفال أصحاب المواهب في الأعمال السينمائية الموجهة لذويهم، وتسويق أفلام الأطفال المنتجة محليًا على الصعيد الإقليمي والدولي لتعزيز الحضور العربي في سينما الأطفال بعدما احتكرت دول أجنبية ريادتها في هذا المجال.