علاء أبوزيد
يقدِّم سكورسيزي «قتلة زهرة القمر» عائدًا للوراء مرتين، إحداهما في زمن العشرينيات من القرن الماضي، والأخرى إلى الراديو وقت أن كان الراديو وسيلة الاتصال الشعبية في المجتمع الأميركي.
فيلم «قتلة زهرة القمر» هو أحدث أفلام مارتن سكورسيزي، هو فيلم ويسترن وجريمة ملحمي أميركي قام سكورسيزي بكتابة نص الفيلم مع إريك روث استنادًا إلى كتاب واقعي يحمل نفس الاسم ألَّفه الصحفي ديفيد غران. قصته تدور حول تتبع سلسلة من جرائم القتل تحل على قبيلة الأوساج في ولاية أوكلاهوما خلال عشرينيات القرن العشرين وذلك بعد اكتشاف النفط على أرضهم.
الفيلم بمنزلة ملحمة تجسد قصة الصراع بين الأعراق، وخاصة بين عرق الهنود الحمر في مواجهة العرق الأبيض الدخيل. والفيلم يبرز دور عائلة من الهنود الحمر من الأوساج يتساقط أفرادها تباعًا في سلسلة جرائم لا يعرف فاعلها، ووسط هذا الغموض يتزوج آرنست الذي يقوم بدوره دي كابريو من مولي التي تقوم بدورها ليلي غلادستون، ومولي هذه سليلة عائلة هندية أصلية وثرية.
الزوج يحب زوجته بصدق، لكن عم الزوج يقوم بدوره دي نيرو، يفسد هذه العلاقة باستغلال ذلك الزواج لصالحه من خلال الفتك بعائلة مولي تباعًا بمن فيهم مولي نفسها بعد أن يوهمها بالعلاج من السكري بعقار الأنسولين الذي في حقيقته سم قاتل، وكاد أن يقتلها. هذا العمل يمثل التعاون السابع بين سكورسيزي ودي كابريو، والتعاون الحادي عشر بين سكورسيزي ودي نيرو.
على مدى ثلاث ساعات ونصف من السرد السينمائي نعيش مع رائعة سكورسيزي الأخيرة «قتلة زهرة القمر». وهي العمل السينمائي الذي يجبرك بعد مشاهدته على طرح عدة أسئلة تحتاج إلى إجابات قاطعة، ومع ذلك لن تجد الإجابات القاطعة عن هذه الأسئلة.
لماذا ثلاث ساعات ونصف؟ ولماذا تكرار الحدث الواحد؟ ولماذا الاستعانة بالراديو في وضع خاتمة الفيلم بهذا الهدوء المفاجئ؟
رغبة سكورسيزي في صنع فيلم ملحمي عن مأساة قبيلة الأوساج، هو الذي يحتم إطالة زمن الفيلم إلى هذا الحد، ثم تكرار سرد الأحداث بطريقتين بحيث يحكي الحدث في المرة الأولى، ثم يستعيده مرة أخرى تمثيلًا، كان سببًا أيضًا في الإطالة.
لكن تبقى المفاجأة مع نهاية الفيلم حيث سكورسيزي يقف في استوديو لمحطة إذاعية يتلو بقايا الأحداث مع مؤثرات صوتية تنسجم مع تداعيات الأحداث، وهي الخاتمة التي تتركك تفكر في السبب الذي يجعل سكورسيزي يلجأ إلى فن الراديو بدلًا من أن يلجأ إلى ما تقوم عليه أفلام أخرى مع نهاية حكايات مستوحاة من الواقع، فيتم السرد على الشاشة بما آلت إليه الأحداث والشخصيات قبل أن يسدل الستار بتتر الختام.
هذا الشكل من النهايات يجعلك تتساءل: لماذا لم يبدع سكورسيزي طريقة جديدة تنتمي إلى الفن نفسه.. فن السينما؟.