إيمان محمد
لم يعد دور الناقد السينمائي كما كان على عهده القديم والمتعارف عليه في السابق، فتخصص النقد الذي كان يمارس سابقًا لم يعد اليوم حصرًا عليه، في ظل وجود انفتاح إعلامي للجمهور شديد التأثير كبرامج التواصل الاجتماعي، والانفتاح على إطلاق الآراء والتقييمات تحت الهاشتاقات، أو البحث عن الترند أو الإدلاء بآراء توجيهية متحيزة لقوالب محددة لا تعترف بالتحديث أو التطوير، وآراء تخطت المنهجية النقدية البناءة في تقديم الإيجابي على السلبي، وآراء رأت في هذا النقد ضالتها فشرعت إليه، غير أن في هذا الهجوم السلبي مؤشرًا إيجابيًا أيضًا، بما يشير إلى وجود حراك سينمائي عاصف واهتمام غير مسبوق بالفيلم السعودي، وتكاتف دفاعي أيضًا ضد حملات النقد المغرضة والمحبطة بعد مشاهدة أي عمل سعودي ووضعه تحت مجهر النقد السلبي لا النقد البناء.
السينما السعودية اليوم تخطو بداياتها بكل شجاعة وثقة وطموح، تخطو لتتجاوز خطوطًا رسمها المجتمع المنغلق على نفسه، وأحاط نفسه ضمن دائرة محيطها المتواضع ليطمس حقائق لا يريد لأحد الإفصاح عنها؛ لذا سيواجه صناع الأفلام في قادم الأيام عقبات كثيرة، أبرزها إظهار خفايا هذا المحيط والنزول إلى نسيجه المجتمعي مهما واجه من اعتراضات أو «انتقادات»، ومهما علت أصوات المنادين بفكرة اليوتوبيا وإنكار الديستوبيا، ثم مواجهة هذه الموجات المرتدة على أفكارهم الإبداعية والرسائل التي يريدون إيصالها، كما حدث مع فيلم «ناقة» للمخرج مشعل الجاسر الذي يُعرض حديثًا على منصة نتفليكس بعد أن ارتفعت أصوات منتقديه أمام معجبيه.
الفيلم في رأيي أنه حمل فكرة عميقة وجديدة تبدأ من اختيار المخرج لكلمة «ناقة» وتوظيفها كرمز للعادات التي نصطدم بها في بيئتنا، أو تصدمنا إذا تجاوزنا الزمن لتتحكم في مسارات حياتنا وتعطل المجتمع. وفي الفيلم تعاني بطلته «سارة» من هذا الاصطدام المتحيز ضد جنسها كونها أنثى في مجتمع ذكوري والمفارقات الناتجة عن هذا التمييز. الفكرة والترميز الذي خلقه مخرج ومؤلف الفيلم غاية في الإبداع، وتبقى مادة الحوار المكتوب ورسم الشخصيات – في رأيي – هما الجزء الأقل كفاءة من فكرة الفيلم الخلاقة.
هذه الناقة الجديدة ما هي إلا واحدة من الاستراتيجيات التي صنعها المخرج في تقديم رسالته غير المباشرة، والتي كان من المفترض أن تخرج بعد انتهاء الفيلم لتعمل صدامًا آخر مع المجتمع في تحطيم تابوهاته، إلا أن المجتمع واجهها كعادته بناقته القديمة!