يحيى وجدي
لم يكن يدور بخلد المخرج البريطاني الأشهر، كريستوفر نولان، أن يتحول الحدث الأبرز في فيلمه «أوبنهايمر»، وهو محرقة هيروشيما، إلى واقع على الأرض في غزة.
«أوبنهايمر» الذي بدأ عرضه في أغسطس الماضي في دور السينما حول العالم، وبات على قائمة النقاد وكل المهتمين بالسينما لأوسكار 2024، ما زالت تتردد أصداؤه لدى الجمهور وهو يشاهد جريمة إبادة كبرى في فلسطين، تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة الجريمة الأقدم باختراع القنبلة الذرية وإلقائها على المدينة اليابانية هيروشيما.
لقد جسد كريستوفر نولان هذه المحرقة الأميركية في فيلمه على شريط سينمائي تجاوز الساعات الثلاث، و«المحرقة» هنا ليست مجازًا كاملًا، فقد كانت مفردة النار وكل ما يتصل بها هي التيمة الأساسية في كل ثنايا الفيلم، بداية من اسم الكتاب الذي أخذ عنه السيناريو «برومثيوس الأميركي»، وبرومثيوس هو الذي قدم – بحسب الأسطورة – النار للبشرية وعوقب عقابًا أبديًا على ما اقترفه. كذلك، فإن نولان في أوبنهايمر جعل من النار.. النار الهائلة المعادل السينمائي للقنبلة الذرية، حيث لم يشاهدها الجمهور تسقط على المدينة اليابانية ولم يرَ ضحاياها كما توقع «وكان ذلك من الانتقادات القوية التي وجهت للفيلم من جانب الجمهور»، ولكنه شاهد النيران تنطلق على الشاشة وشعر بها في أرجاء صالة العرض، بدون صوت.. النار فقط في مشاهد تجربة القنبلة الأميركية في صحراء ومختبر لوس آلموس، الذي شُيد من أجل إنتاج السلاح الرهيب الذي غيّر وجه العالم.
وجّه كريستوفر نولان نقدًا عنيفًا في «أوبنهايمر» للولايات المتحدة الأميركية ولجرائمها العسكرية، ووضع أصبعه وأصابع الجمهور على الروح والعقلية التي تتحكم بها حينما يُمس طرفها وتُهدد صورتها، فينفلت عقالها في الانتقام دون تقدير للعواقب أو الضحايا، ويستوي في ذلك، الرئيس والقادة العسكريون حتى العلماء والباحثين.
ذلك النقد السينمائي والفني، أنجحه قدرة كريستوفر نولان على استخدام كل العناصر السينمائية التي يُتقنها، في التصوير والإضاءة والصوت وتقنياته، والأهم المونتاج المُدقِق الذي مكّنه من تقديم هذه السردية المتقاطعة، والانتقال بين المشاهد الملونة والأبيض والأسود، دون أن يفقد المشاهد خيط القصة.
وقبل كل هذا، تميز نولان في «الكاستنج» أو اختيار فريق العمل، فراهن رهانًا ناجحًا على كيليان مورفي لتقديم دور البطولة وتجسيد شخصية أوبنهايمر، الذي كان نحيفًا ومدخنًا شرهًا، ويمتلك عينين قويتين ونظرة قوية لافتة، بينما وضع نولان في كل الأدوار الأخرى ممثلين كبارًا أكثر شهرة وخبرة من مورفي، مثل: روبرت داوني جونيور، أحد أبرز نجوم مارفل، الذي قدم في الفيلم دور السياسي الأميركي ستراوس؛ والنجم مات ديمون في دور الجنرال ليزلي جروفز المشرف على مشروع مانهاتن العسكري، وغيرهم من النجوم في أدوار ظهروا بها على الشاشة لدقائق قليلة، لكنها وضعتهم مع الفيلم في مقدمة ترشيحات الأوسكار القادم بامتياز.