أمنية عادل
على أعتاب الجنون ومحاولة ضبط النفس حتى لا تهوى يعيش كوفي بين ذاته الجديدة التي يدشنها في بلجيكا التي توطنها مؤخرًا، بعد أن ترك ذاته الأصلية عالقة في بلاده الكونغو، تلك الذات التي تركها خلفه حتى يستطيع مواصلة الحياة، مع هذا يحيا كوفي وسط كوابيس لا تنتهي ونوبات صرع تداهمه دون سابق إنذار.
بدايات كابوسية
في مستهل جاذب ومقبض تبدأ أحداث فيلم Omen «فأل» للمخرج الكونغولي Baloji، حيث يستيقظ كوفي Marc Zinga من كوابيس دائمًا ما تراوده، في المقابل تطمئنه شريكته البيضاء أليس Lucie Debay تلك التي تواسيه في وحشته وينتظران سويًا ثمرة هذا الحب، توأم قادم إلى الحياة خلال مدة قصيرة. في هذه الأثناء يستعد كوفي وأليس إلى رحلة عودة إلى بلاده الأصلية الكونغو وبالتحديد العاصمة الكونغولية كينشاسا، وذلك بعد نفي اختياري في ظاهره واضطراري في جوهره قام به كوفي قبل قرابة 18 عامًا. حالة من التحفظ تسيطر على كوفي، في حين تحاول أليس طمأنته واحتواء خوفه المستمر، فهل يحدث ذلك فرقًا في الحقيقية؟
كوفي هو واحد من شخوص يتتبعها فيلم «فأل» أو كما ورد في اسمه بالفرنسية Augure، أي العراف. أناس يخضعون إلى توصيم ليس لهم دخل به حيث يحمل هؤلاء لقب Zabolo، أي الساحر أو الممسوس من الشيطان، أربع شخصيات تتأرجح مصائرهم وتتوارى رغباتهم في مقابل ما يعتقده الآخرون من حولهم، أناس تتلبسهم أرواح شريرة يجب نبذهم كما حدث مع كوفي.
شركاء الشيطان
إلى جانب كوفي يرصد الفيلم عوالم ماما ماجيلا Yves-Marina Gnahoua والدة كوفي وأخته تشيلا Eliane Umuhire اللتين تعانيان من النبذ أيضًا ويحملان اللقب الموصوم، هذا إلى جانب الصبي باكو Marcel Otete Kabeya الذي تتلقفه الشوارع هو وجماعته خلال رحلتهم شبه المستحيلة في إقامة جنازة لائقة بأخته المتوفاة ضحية الخرافة أيضًا، ولتحقيق ذلك يخلد ذكرى وفاة أخته بارتدائه وأصدقائه فساتين زهرية وتيجان ما يعرضهم إلى سخرية عصابات الشوارع الأخرى، ليس فقط لمظهرهم، ولكن لكون باكو منبوذًا لأنه ممسوس من الشيطان.
يستعين المخرج البلجيكي من أصل كونغولي Baloji القادم من عالم الراب، ذكرياته وتأملاته في أرضه الأولى وعاداتها ورؤيتها للعالم والآخر، مغرقًا المشاهد في هذا العالم بمعطياته القاسية الوحشية، وهو ما يتضح في العديد من المشاهد والعلاقات في صدارتها علاقة كوفي وأليس التي تراه في إنسانيته بعيدًا عما وصم به من المقربين. يتعرض الفيلم أيضًا إلى السبل التي يسلكها الفرد حتى يستطيع التعايش وهو ما فعلته تشيلا حينما اضطرت إلى اللجوء إلى الكاهن على عكس ما تعتقد في تناقض واحد يعكس ما تعيشه من صراعات.
من الصورة البصرية التي يقدمها Baloji يتضح اعتماده على البانورامية في رصد شخصياته وعوالمهم من خلال صورة Joachim Philippe، وهو ما يزيد من الشعور باغترابهم، وكذلك خلق حاجز بخيط رفيع يفصل المشاهد عن التماهي مع هؤلاء الشخصيات بقدر التفكير في طرح أسئلة حول: لماذا يحدث هذا؟ وما هو المصير المنتظر لكل منهم؟ كما يمنح مونتاج Bertrand Conard، Bruno Tracq إيقاعًا سريعًا خلال تعقب الأحداث وتستغل الصورة رحابة الأماكن والتصوير في شوارع كينشاسا ومناطقها ذات السحر الخاص الذي يمنح المشاهد قدرًا من القداسة المشوهة.
أزمات متوارثة
يتقاطع سيناريو Baloji بالشراكة مع Thomas van Zuylen مع أزمة الاغتراب والرفض الذي قد يلحق بالإنسان ولا يقوى على الوقوف في وجهه، حينما حضر كوفي للانضمام إلى الاحتفال مع عائلته بالعيد، متوقعًا أن السنوات قد أنست الجميع من هو، تم استقباله بفتور بالغ، بل ووصمه المقربون بالشيطان الساحر وزاد الخوف منه أكثر مع سقوط نقطة دماء من أنفه على ابن أخته الرضيع، هلع الجميع لأن الرضيع بات ممسوسًا أيضًا وكأن الخرافة هي ما تحكم كل شيء.
يعيش شخوص عالم فيلم Omen في خوف دائمًا، سواء من الملاحقة المستمرة مثل باكو، أو الخوف من استمرار الكوابيس والنبذ كحال كوفي وتشيلا، أو حتى خائفين من انتقال السحر كما هو حال أخت كوفي ورضيعها. حالة من القسوة المتوارثة يتناقلها الجميع ولا يعرفون كيفية التخلص منها للأبد، تتحول المصائر ويحاول كوفي وأليس بناء حياتهم دون الخوض في هذه الأفكار بصحبة التوأم الجديد الذي حضر وتحول معه كوفي ومن خلاله أيضًا إلى سيد قراره؛ كل ذلك بعد عودته إلى بلجيكا منفيا بإرادته هذه المرة، ما يطرح سؤال بدوره: هل الخلاص في هجر الأوطان؟ وما هي الأوطان حقًا؟ هل يحمل كوفي وطنه بداخله الآن؟
فيلم Omen الفائزة بجائزة الصوت الجديد بـ«مهرجان كان»، والذي عُرض ضمن مسابقة نظرة ما، يعد الفيلم الروائي الأول لمخرجه Baloji الذي سبقه فيلم قصير بعنوان Zombies يدور أيضًا في فلك كينشاسا وما تحويه من تناقضات. عوالم كثيرًا ما تستهوي صناع الأفلام للغرق في البحث عنها ربما ينهل Baloji منها مجددًا لفهم ذاته وبلاده وعالمه المحيط.