فهد السعير
لم يتح لأي قطاع الاستفادة من التقنيات الحديثة كما يتاح لقطاع السينما، الذي يستقبل وفرة هائلة من البرامج التقنية في جميع مراحل العمل من الفكرة إلى العرض؛ يستعين بها صُناع الفيلم والعرضين بدرجات متفاوتة حسب الحاجة لإضفاء طابع متطور للمنتج.
المؤكد أن صناعة السينما تغيرت كثيرًا بعد ظهور التقنيات الحديثة على كافة المستويات: المحتوى، والإنتاج، والتوزيع؛ وأصبح عنصر المنافسة يدور حول قياس درجة القيمة الإضافية التي تشكلها هذه التقنيات في العمل السينمائي، بل خصصت جوائز مرموقة لهذه النوعية من الأفلام.
ثمة مقاربات عدة في سياق الاعتماد على التطور التكنولوجي في صناعة السينما؛ أولها الحتمية التكنولوجية التي تفرض على الصناع مواكبة تطورات العصر، والثانية الحتمية الاقتصادية التي يوفرها الاعتماد على تقنيات الإنتاج والعرض، والثالثة الحتمية الفنية حيث توفر التقنيات الحديثة مستوى متقدمًا من ترجمة خيالات المؤلف التي تضيق مساحتها في التنفيذ التقليدي بينما تتسع لدى العنصر التكنولوجي، خاصة تلك المتعلقة بالواقع الافتراضي.
أصبح جمهور السينما حاليًا أكثر وعيًا وانفتاحًا على التكنولوجيات الحديثة، وبالتالي فإن الرهان الوحيد لحجز مقعد متقدم لدى اهتماماته يتمثل في المساحة التكنولوجية التي يوفرها صناع السينما العارضون، مع الأخذ في الاعتبار أن عنصر الإبهار يجب أن يتخطى سقف المعقول، خاصة في سياق الاعتماد على الواقع الافتراضي، لا سيما في مرحلة الإنتاج.
مع هذا الانفتاح العالمي على التقنيات الحديثة في الصناعة السينمائية، واكبت المملكة العربية السعودية الحدث، ورأينا جانبًا مهمًا من هذه التقنيات في الأعمال السينمائية سواء في مرحلة الإنتاج أو العرض؛ من خلال تدشين صالات عرض بإمكانيات هائلة ثلاثية الأبعاد.
ومع التسليم بأن التطور التكنولوجي لا سقف له، حيث يخضع لعوامل التحديث المستمر؛ فإن ذلك يفرض على المجتمعات السينمائية أن تواكب هذا التحديث لخلق عنصر تنافسي في المنتجات المقدمة.
المميز في «رؤية المملكة 2030» أنها لم تغفل هذه النقطة تحديدًا، وتضمنت إطارًا استراتيجيًا مهمًا لدمج التقنيات الحديثة في كافة القطاعات، وزيادة معدل الرقمنة بالدولة؛ وهو المستهدف الذي يفرض على القائمين على صناعة السينما التماهي معه.
في هذا السياق، أعرض مجموعة من المقترحات والتوصيات التي تحقق هدف التوسع التكنولوجي في صناعة السينما بمنظور «رؤية 2030»، ومن بينها التوسع في استخدام التقنيات الرقمية والتكنولوجية في مراحل صناعة الأفلام بشكل تدريجي لا يلغي العنصر البشري، بالإضافة إلى ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة ومرافقتها دائمًا وعدم التخلف عنها لتحقيق منافسة ليست محلية فقط، ولكن دولية أيضًا.
أرى من الضرورة أيضًا الاهتمام بتدشين مكتبات رقمية ومنصات أرشفة للمواد الفيلمية المتعلقة بالإنتاج السينمائي المحلي، بالإضافة إلى التفكير في تدشين منصة عرض رقمية منافسة على غرار «نتفليكس» وغيرها من المنصات التي تجذب مئات الملايين من المشاهدين شهريًا، والتوسع في إدخال تقنيات الواقع الافتراضي في صالات العرض السينمائية بالمملكة، فضلاً الاهتمام بتصميم برامج تدريبية متخصصة في التقنيات الحديثة المرتبطة بصناعة السينما للعاملين في هذا القطاع.