محمود غريب
من السهل التدقيق في مشهد سينمائي لقياس مدى جودته أو عدمه، لكن مهمة تقييم عمل سينمائي متكامل من كافة النواحي لا تتأتى إلا للقلة، ذلك أن طول النظر أو قصره بالنسبة لتفاصيل لا يدركها الجمهور يعتمد على مستوى خبرة المدقق وإلمامه بأكبر قدر من الفنون المرتبطة بصناعة السينما؛ سواء على مستوى الكتابة، أو التمثيل والتصوير والإخراج وغيرها.
لذلك، أتجنب دائمًا التقييمات السطحية لبعض النقاد الفنيين تجاه عمل سينمائي معين، في المقابل أتتبع كافة التصورات والمراجعات وأضعها أمام درجة اهتمام الجمهور، وهنا يمكن ملاحظة تباين واضح بين آراء النقاد وقوة شباك التذاكر.
السبب الرئيس، من وجهة نظري، قوة «نجم الجماهير» وهي صورة صنعتها السينما لبعض فناني الصف الأول؛ إما ارتكازًا على قوة فنية حقيقية، أو «قوة الحظ». وأعني بذلك التوفيق الذي يلازم فنانًا بإمكانيات متواضعة نسبيًا، فيضعه في مرتبة متقدمة بمراحل عن تلك التي يستحقها.
هنا السؤال المهم: هل «الحظ» أمر يعيب الفنان؟ أو بمعنى آخر: هل الممثل متصدر شباك التذاكر رغم تواضع مستواه يستحق من كتيبة الفن أن تنبذه؟ لا أعتقد من اللائق تحميل الممثل هذه المسؤولية، كما من غير اللائق أخلاقيًا أن يصدر عن الوسط الفني تصرفات مبطنة بالحقد على هؤلاء.
لست في موضع تقديم أمثلة على هذه الحالة بقدر أنني مهتم بتشريح الظاهرة من الناحية الفنية، وهو الأمر المفيد، سواء لجمهور السينما أو للفنانين أنفسهم؛ فلا ضير من النقاش الهادئ المفيد للصناعة بشكل عام، بعيدًا عن التشنجات المضرة، أو النفسيات المحبطة لصناعة السينما في عمومها.
في حالات عديدة استغل هؤلاء الفنانون «الحظ» الهابط عليهم من السماء على شباك التذاكر، وبدؤوا في تطوير أدواتهم الفنية بشكل جعلهم يستحقون بالفعل المكانة التي يحتلونها بين الجمهور، بينما ظل آخرون في أماكنهم دون تنمية للموهبة، مكتفين بما حققوه من شهرة تستند إلى «النصيب».
على مدار التاريخ السينمائي ترك شباك التذاكر انطباعات متباينة حيال الممثلين الموهوبين، من خلال دفع من يستحقون للأمام وركل آخرين للخلف. لكن في أحيان معينة ينعكس المسار، وذلك لعدة أسباب، من بينها جودة المنتج نفسه على مستوى القصة والتصوير والإخراج والقيم المضافة تكنولوجيا، وهو العامل المؤثر في درجة الانبهار بالفيلم أو عدمه، فكلما توفرت قيمة عالية على هذه المستويات وجد الفيلم مكانة لدى الجمهور والعكس صحيح.
هنا يمكنك أن تتخيل فيلمًا ذا قيمة درامية من بطولة ممثلين بارعين، ولكن يفتقد نفس الدرجة على مستوى التصوير والإخراج والعوامل المصاحبة، سواء إنتاجيًا أو تسويقيًا، بالتأكيد سوف يسقط من حسابات شباك التذاكر على حساب آخر أكثر إبهارًا.
بناء على ما سبق، هل تعتقد عزيزي القارئ أن «سينما المحظوظين» تستحق هذا الوصف على عموميته، أم يمكن أن نسميهم «نصف محظوظين»، والنصف الآخر اجتهاد؟