يحيى وجدي
غرفة صغير في فندق متوسط المستوى. هذا هو «اللوكيشن» الذي تدور فيه كل أحداث ومشاهد فيلم Good luck to you leo grande أو «حظ سعيد لك يا ليو جراند»، أما الممثلون فهم اثنان فقط، يظهران في كل مشاهد الفيلم أيضًا في هذه الغرفة!
هكذا أرادت المخرجة الأسترالية صوفي هايد، ومن قبلها كاتبة النص الإنجليزية كاتي براند، التركيز على خلجات النفس البشرية والمشاعر الإنسانية، لا سيما لدى النساء.
لكن فيلمًا كهذا، بلا مشاهد خارجية تقريبًا، ولا ممثلين كُثُر، ولا حركة واسعة، وفي موقع تصوير لا يتجاوز المترين، ما كان ليصبح بهذا الجمال والتأثير لولا بطلته النجمة الإنجليزية المخضرمة إيما تومسون، التي من المؤكد أنها أعجبت كثيرًا بموضوع الفيلم والقضية التي يطرحها، قبل أي شيء آخر.
عوّضت تعبيرات تومسون وأداؤها المذهل المُشاهد عن كل ما يجتهد المخرجون الآخرون في تقديمه له كي لا يشعر بالرتابة والملل، ونجحت في أن تقدم داخل الشخصية المرسومة بدقة على الورق.
الفيلم يحكي عن امرأة تجاوزت منتصف الخمسين من عمرها، أرملة، تنتظر رجلًا لممارسة الجنس معه، في غرفة مستأجرة في فندق. نعرف بعد قليل أنه شاب في العشرينيات، وأنها لا تعرفه حقًا، بل رجل مستأجر يقدم خدمات جنسية للنساء بمقابل.
تستخدم المرأة الخمسينية اسمًا مستعارًا، والشاب كذلك، حفاظًا على السرية التي يلتزمان بها قدر المستطاع، لكن السيدة التي كانت تعمل مُدرسة قبل أن تتقاعد، لا تستطيع مجاراة الشاب فيما هو مطلوب منه، أو للدقة ما دفعت هي أموالًا مقابله، فلا تستطيع ممارسة الجنس، ولا تعرف حتى التعامل مع جسدها.
مشهد بعد مشهد، من خلال مقابلة أخرى مع الشاب المستأجر، نعرف أن السيدة كانت تعيش حياة عادية، تقليدية، أدت فيها دورها الاجتماعي على أكمل وجه. حظيت بالاحترام في عملها ومن زوجها وأنجبت ابنًا وابنة مستقلين بحياتهما. نعرف أيضًا أن الشاب يمارس الجنس مع النساء بمقابل ودون مشاعر أو تورط من أجل استكمال دراسته. لا يثرثران كثيرًا عما هو أعمق، ولا يفعلان سوى النوم بجوار بعضهما في السرير.
الحبكة التقليدية، تقول إنه من الواجب حتى يرى المشاهد نهاية سعيدة أن تقع المرأة في حب الشاب أو العكس، أو يُكشف للمشاهد عن أسرار مثيرة وراء الشخصيتين، لكن هذا لا يحدث.
في مشهد من المشاهد القليلة التي تظهر بها شخصيات أخرى في الفيلم، تلتقي السيدة بالشاب في كافتيريا الفندق لتشكره على احتمالها وعلى تفهمه، فتعرفها النادلة وتخبرها أنها كانت تلميذة في المدرسة التي تعمل بها، وأنها كانت مدرسة «شديدة” ومتدينة وتمنع الفتيات من مصادقة الذكور، فتخبرها السيدة ببساطة أنه هنا، في الفندق، تستأجر غرفة خصوصًا لممارسة الجنس مع هذا الشاب، وتعتذر لتلميذتها السابقة كونها منعتهن وزميلاتها من ممارسة حياتهن والانطلاق بحرية.
هكذا يقول الفيلم، بدون الكثير من الثرثرة، وبدون أحداث كثيرة، أو عبارات كبيرة، ولا نقد اجتماعي لعلاقة الأبناء بأسرهم في الغرب كما رأى البعض في الفيلم. يقول إنه على النساء أن يعتذرن لأنفسهن عما حُرمن منه وعليهن أيضًا أن يعتذرن للآخر، عن إعادة إنتاج ما وقع عليهن، فيتسببن في حرمانه.
«حظ سعيد لك يا ليو جراند”، فيلم نسوي بامتياز، لكن دون خطابة أو هتافات نسوية، وهو أيضًا فيلم، احترم فنيات السينما، فجاء جميلًا بعيدًا عن قضيته.