إبراهيم العمري
تساءَلت عن ماهية المحنك، ولم أجد له تعريفًا متفقًا عليه، واستنتجت من خلال بحثي البسيط بأنه هو الذي يبغضه المشاهد العادي؛ لكونه منغصًا لمتعة مشاهدة الأفلام، ودائمًا ما يبدأ المقارنة مع أي فيلم تشاهده بآخر يعتبره عظيمًا، وغالبًا ما يكون إما من إخراج Andrei Tarkovsky أو Stanley Kubrick أوIngmar Bergman. وقد يتطرف أحيانًا وتجده لا يفضل إلا الموجة الفرنسية، ودائمًا يستشهد بمخرجين وصناع أفلام أسماؤهم فرنسية غير معروفين إلا في الأكاديميات والكتب المتخصصة بالسينما، ومنه تفهمت وضع المُشاهد العادي الذي لا يرغب في التعقيدات ويفضل السينما الحالية بسلاسلها الشهيرة وبأسمائها المعاصرة والمعروفة لدى الجميع. وبالطبع، هذا من أبسط حقوقهم، فهو يبحث عن قصص بسيطة تناسبه هو وعائلته أو أصدقاءه، ليقضي وقتًا جيدًا؛ إمَّا في السينما أو في منزله، ويستمتع دون أن يضطر إلى أن يأخذ محاضرة يوتيوبية بعد الانتهاء من الفيلم لتفكيك رمزياته، أو يبحث عن مقالة قد تكون أطول حتى من نَص الفيلم يشرح فيها كاتبها مقاصد المُخرج المدفونة.
ولكن ما وجدته غريبًا، وهو أن بعض صناع الأفلام يبغضون هذا المحنك أيضًا ويلقبونه بالمحنك على سبيل المذمة؛ لأنه غالبًا ما يكون ناقدًا ويبحث عن الأخطاء ودائمًا ما يكرر كلمة «وش ذا الخياس؟»، وعندما تسأله عن تحليله للفيلم تجده يسرد سلسلة تغريدات مفصلة يذكر كل عيوب الفيلم بالتفصيل، ونادرًا ما تجده يمتدح أي جزئية فيه، ولا يذكر الإيجابيات، وعلى الأقل لا يثني على المجهودات المبذولة. هذه التساؤلات قادتني أيضًا لسؤالين آخرين: هل من واجب المحنك المزعوم ذكر إيجابيات فيلم لم يعجبه أساسًا، أو يكتفي بطرح ما لم يعجبه ويترك ذكر الإيجابيات لمن أعجبه؟ وهل استياء صانع الأفلام منه مبرر؟ وبدأت أبحث عن تلك الإجابة في كثير من المقابلات وبعض تغريدات صناع الأفلام، ووجدت أن أكثرهم دائمًا ما يرددون العبارات الرنانة المعتادة مثل: «نرحب بالنقد»، أو «اللي ينتقدني أفضل من اللي يجاملني»، و«رأي المشاهد هو اللي يهمني»؛ بل وجدتهم هم أيضًا ينتقدون الكثير من الأعمال الدرامية المحلية والقديمة ويبغضون المنتج التقليدي ويعتبرون أنفسهم مجددين ومختلفين، ولكن عندما تعرضوا هم للنقد سرعان ما ارتدوا زي من سبقهم، وأظهروا غضبهم إزاء ما تعرضوا له من نقد، وبدؤوا بترديد عبارات كثيرة أبرزها: «هذي حملة علينا».. وتساءلت: أين سمعت مثل هذه العبارة؟
مسكين هذا المحنك لا يجد من ينصفه سوى المحنكين المنبوذين مثله، وتجدهم في «قروباتهم» السينمائية المتواضعة يتشاركون توصياتهم لبعضهم البعض بأفلام بالأسود والأبيض دون أن يضروا أحدًا؛ ومع ذلك يتم لومه على ارتقائه بذائقته، بالرغم أنه هو أول من كان يشجع دخول السينما، وكان يشجع أي صانع أفلام مغمور، بل هو من بدأ مشاهدة الأفلام القصيرة في اليوتيوب دعمًا لصناعها وشارك بنشرها وتشجيع صانعيها إلى أن وصل البعض منهم للشهرة وتمكنوا من تحقيق أحلامهم بإنتاج أفلام طويلة، بعضها قد لا يرقى لذائقة المحنك الداعم الذي قرر أن ينتقد بدلًا من التشجيع المبالغ فيه؛ لكي يرتقي بالسينما لطموحاته وطموح هذا البلد المعطاء المملكة العربية السعودية.. فهذه الأفلام – شئنا أم أبينا – سيطلق عليها أفلام سعودية.