محمد سيد ريان
يظل فيلم «شمس المعارف» أحد أبرز الأفلام الشبابية السعودية في الفترة الأخيرة، قابلاً للمزيد من الرؤى والتأويلات. فالفيلم الذي استطاع الجمع بين مناقشة الأفكار الاجتماعية السائدة والخلطة الكوميدية مع مزيج من عالم الرعب والسحر، يشير بصورة كبيرة إلى إحدى أبرز القضايا التي يواجهها الشباب السعودي والعربي والعالمي، وهي التحديات التي تقابل أحدث أجيال البشر وهو الجيل «زد» «Generation Z»؛ هذا الجيل الذي يأتي عمريًا بعد جيل الألفية ويتكون عمومًا من مواليد ما بعد سنة 2000. ويتميز هذا الجيل بالارتباط الكامل والشديد بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنظر إلى الأدوات الرقمية كوسائل لتحقيق الصعود الشخصي بدلاً من الاعتماد على التحصيل الدراسي المعتاد. ولعل الفيلم ناقش هذه القضية بالتفصيل من خلال الحوارات التي كانت تدور بين الأم والأب والشاب المراهق «حسام» الذي يمثل هذا الجيل في حلقة مفصلية مهمة من حياته وهو في الصف الثالث الثانوي. وتجسد حوارات الفيلم روح التمرد بين الطموح الدراسي الذي يرغبه الأهل كوسيلة صعود للمركز الاجتماعي والوظيفي بعد تحقيق النتائج الدراسية المطلوبة، ويدعمون رغبتهم في أحيان كثيرة بالمقارنة الحادة، كما حدث بينه وبين أخيه الدكتور، وبين الطموح الشخصي والمالي السريع الذي يرغبه الشباب. ولعل الجملة التي جاءت من الأب للبطل الشاب «أنت في الحد الفاصل بين مرحلة الولد ومرحلة الرجال»، تعبر بصورة كبيرة عن هذه اللحظات الحاسمة في حياته، كما عبرت كلماته من أن هناك ما هو أهم من «الوظيفة والزواج والأكل» عن انفصال فكره عنهم.
ومن السمات الأساسية لهذا الجيل سخريته الشديدة واللاذعة من كل من حوله، ومن من كل المنجزات السابقة عليه، باعتبار أنه صاحب ابتكار وإنجاز. هذه السخرية تتراوح في شدتها بين الأفيهات والمواقف الساخرة في الحد الأدنى، وتصل في أقصاها إلى السباب والألفاظ التي يقصد بها الازدراء بالشخص في المواجهة أو في السر.
لقد استطاع الفيلم، وفق رؤية الأخوين قدس، أن يجسد الصراعات التي يقابلها هذا الجيل، والذي تمثل – كما أشرنا – في المنزل وكذلك مع إدارة المدرسة التي تمثلت بالأساس مع العقلية الرافضة لأي تغيير متمثلة في شخصية الأستاذ «مصلح»، بالإضافة إلى مشكلة الإمكانيات لتصوير الفيلم وتنفيذه في ظل عقبات متزايدة يرصدها الفيلم داخل إطار الكوميديا الهادفة، ومنها الهجوم الشديد الذي تعرض له أصحاب الفيلم بعد عرض البرومو التشويقي على مواقع التواصل الاجتماعي ليقوم عدد كبير بالهجوم عليهم ضمن هاشتاق ساخر.
تعد أيضًا فكرة الإصرار والتمسك بالرأي في المناقشة أبرز سمات الجيل «زد»، فرغم كل ما يحدث يستكمل الشاب طريقه نحو إخراج الفيلم بكل الوسائل والطرق. ولعل النقطة التي مثلت الأمل لهذا المراهق في تحقيقه لهدفه، كانت عند تكوين مجموعة العمل التي استقطبت صديقه المقرب «معن» مع عدوه المعلن «إبراهيم»، بالإضافة إلى معلمه المتسلط في بداية الأمر “عرابي” الذي سرعان ما يصبح لديه هو الآخر حلم قديم في التمثيل والكوميديا.
هذه المجموعة الرباعية «صاحب الفكرة – الصديق – العدو – المعلم» التي تختلف في شخصياتها، ولكن يجمعها هدف واحد، هي أيضًا خير تمثيل لمجتمع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت التي لا يربطها إلا هدف واحد وانحيازات وأفكار شتى.
ويُذكر أن اختيار اسم الفيلم بالإشارة إلى واحد من أخطر الكتب في السحر وعالم الجن، يشير إلى رغبة في وجود التراث كاستلهام لفكرة مميزة عن غيره من قصص الرعب الأجنبية.
سيعيش هذا الفيلم طويلاً، لأنه يعبر عن جيل شبابي كامل يعيش هذه التجارب في ظل رغبته في الابتكار وريادة الأعمال الخاصة به بعيدًا عن الأفكار التقليدية. ولعل رسالته الحقيقية من الشباب هي رغبتهم في الاندماج في هذا العالم الافتراضي الذي يحقق الأمجاد الشخصية والمالية، ولكنه في نهاية الأمر مصحوب بقلق من المستقبل رغم الإصرار على نفس الرؤية، ويتضح ذلك في نهاية الفيلم المهمة والجديرة بالتأمل، وهو ما يؤكد حقيقة ثابتة أننا نحتاج العالم الواقعي بخبراته إلى جانبنا.