نجلاء محمد
أن تسبح ضد التيار نصف قرن من الزمان دون كلل أو فقدان للأمل مؤمنًا بحلم أنت تعرف أنه أقرب للمستحيل، أمر لا يتحمله شخص عادي، لكن عبدالله السدحان فعلها، وربما لهذا استحق الممثل الكبير أن يُكرَّم بجائزة اليسر الفخرية بمهرجان البحر الأحمر الأخير.
لم يكن تكريم السدحان حدثًا شخصيًا يخص نجمًا مخضرمًا على مجمل أعماله وتاريخه، بل كان رسالة أكثر بعدًا وعمقًا موجهة لجميع الأجيال، وهي أنه لا يوجد مستحيل، ومهما كنت عكس التيار فستصل، فقط عليك أن تحب ما تفعله وتؤمن به.
السدحان درس في كلية الزراعة في بداية السبعينيات وقت لم يكن هناك بارقة أمل في أن يكون ممثلاً، لكنه بروح المغامر لم يكترث بالسائد والمحتم ومارس التمثيل، وبدأ رحلة ربما تشبه دون كيشوت الذي حارب طواحين الهواء.
بدأ مشواره منذ عام 1974 وجمع بين روح الهواة وتصميم المحترفين، وجاءته الفرصة ليظهر على شاشة التلفزيون على يد محمد العلي، الذي قدَّم معه مسلسل “أيام لا تنسى”، وتطور الحلم عندما أعاد المخرج سعد الفريح اكتشافه عام 1977 لينطلق نحو الشاشة الصغيرة ويكون أهم ضيوفها.
وكان للقدر ترتيب آخر في حياة عاشق الفن، فحدثت في عام 1981 نقلة جديدة بالتعاون مع بكر الشدي وناصر القصبي.
وعلى مدار 18 عامًا قدم السدحان والقصبي أهم مسلسل كوميدي اجتماعي درامي في تاريخ الفن العربي من حيث الطرح وعدد الأجزاء، ورغم مواجهة العمل تحديات كبيرة، أبرزها إصدار جهة دينية في السعودية عام 2000 فتوى بتحريم إنتاج المسلسل وبيعه وترويجه وعرضه، لكن السدحان ورفاقه لم يتركا الدرب.
ارتبط إصرار السدحان بشخصية شديدة الخصوصية، فهذا الرجل لا يعتب أو يلوم، ولا يرى غيره أكثر حظًا، بل يعتز بمشوار يعتبره أشبه بمهمة انتحارية، وما زال يمتلك الشغف الذي جعله يقف أمام كاميرات السينما لأول مرة في حياته ليلعب دورًا هامًا في فيلم “نورة”.
ولعل أهم أسباب استحقاق السدحان لما وصل إليه، أنه أخلص لواقعه ولم يحاول الهروب ليدخل في عباءة صناعة فن أكثر عطاء وحرية، وحتى الآن يرفض المشاركة في عمل لا يجسد فيه شخصية سعودي، بل وينصح الأجيال الجديدة من صناع السينما السعوديين الذين يحظون بالدعم، أن يترووا في رحلتهم، ويعبروا عن واقعهم، ويهتموا بقضايا المواطن وهويته، حتى لو في عمل كوميدي.
قد يكون التكريم جاء متأخرًا كاعتراف رسمي أمام العالم بمشوار السدحان، لكنه جاء كتتويج أمام العالم لرحلة رجل كافح من أجل الفن في وقت لم يكن هناك دعم أو قبول أو حتى هامش من الحلم.
فالسدحان مغامر سبح ضد التيار، فاستحق أن يكون رمزًا.