أمنية عادل
شهد عام 2023 الكثير من المتغيرات العالمية وسيطرة ملامح الطموح على المشهد العالمي، ظهر ذلك في الحروب التي تعد ركيزة أساسية في عام 2023، تجاوز الطموح الواقع وحضر بقوة في المشهد السينمائي والسير الذاتية التي قُدمت على الشاشة الفضية. موت وخوف ودماء ورغبات لبلوغ المنال، جميعها معطيات طعمت حكايات سير شخصيات تاريخية استعادتها الأشرطة السينمائية في 2023.
نابليون.. رجل بارع في النجاة من الموت
«يقولون يا صاحب السعادة إنك تحرص على كل شيء سوى حياة البشر» هكذا تحدث صاحب الفندق إلى نابليون بونابرت كما جاء في مسرحية الكاتب الأيرلندي الساخر جورج برنارد شو المعنونة بـ«رجل الأقدار» أو «نابليون». حضر نابليون في الكثير من القطاعات على أكثر من صعيد في مقدمتها دوره في الجمهورية الفرنسية الأولى كإمبراطور فرنسا عقب الثورة الفرنسية التي استمرت مجرياتها على مدار عقد من الزمن منذ 1789 حتى 1799، ولا يغفل الكثيرون دهاء بونابرت العسكري الذي جعل له خطة على رقعة الشطرنج حتى إنه حظي بإعجاب بيتهوفين في إحدى الفترات وكان له الحظ بالحصول على إهداء في السيمفونية الثالثة التي عرفت فيما بعد باسم «البطولة»، هذا الإهداء الذي تم محوه فيما بعد من قبل بيتهوفين.
نابليون بونابرت أحد أعظم قادة المعارك في التاريخ لطالما كان مثيرًا للبحث والتنقيب، مع مستهل فن السينما قدم المخرج الفرنسي Abel Gance «آبل جاس» فيلم Napoleon عام 1927، الذي يعد أحد أهم الأفلام الملحمية الصامتة في تاريخ السينما، رغم تعدد المصادر والكتب التي تتبعت بالبحث والتنقيب تقديم قراءات عن مسيرة بونابرت العسكرية والحياتية، كانت السينما أقل حضورًا في تناول هذه الشخصية المثيرة، ربما يعود ذلك إلى صعوبات إنتاجية أو غيرها من الأسباب، ورغم العمل المضني الذي تكبده المخرج الأميركية Stanley Kubrick «ستانلي كوبرك» لإنجاز فيلم عن نابليون حقق المخرج البريطاني Ridley Scott «ريدلي سكوت» تقديم فيلم عن نابليون جاء في 158 دقيقة.
لم يكن سكوت بعيدًا عن فرنسا وفترة الحروب النابليونية، حيث قدم فيلم The Duellists «المبارزون» 1977، وفي فيلم Napoleon 2023 يقدم سكوت نابليون من خلال 6 مشاهد حربية وخطاباته الشهيرة لزوجته وعشيقته فيما بعد جوزيفين، رغم الملاحظات التي قد تلاحق الفيلم في رؤيته التاريخية أو تصويره لبعض المواقف التاريخية سواء للفرنسيين أو لغير الفرنسيين، لكنه يركز على طموح نابليون الذي لا ينضب، هذا الرجل الذي تنازل عن الكثير في سبيل السعي نحو طموحه وفي مقدمته جيشه وقلبه.
نابليون الذي ضحى بالكثير من الأرواح لبلوغ النصر كان أيضًا لقلبه نصيب من بلوغ تلك التضحية حينما ترك زوجته وحب حياته جوزيفين في سبيل الحصول على وريث للعرش يحمل من بعده أعمدة الإمبراطورية التي تنحى عنها.
يكرس بونابرت كل جهوده وطاقته وحتى رغباته لبلوغ طموح يخلد اسمه، أصرف بونابرت سنوات عمره فيما اعتقد أنه يمنحه الصواب. شخصية بونابرت كما صورها سكوت لم تغير قناعاتها لحظة واحدة رغم الخسائر التي تكبدها، شخصية متماسكة عازمة على تحقيق ما تريد لا يخفي دموعه إن اقتضى الأمر، يشكل طموحه معاناة للآخرين من حوله في مقدمتهم جنوده وقادة أوروبا وجيوشها حتى جوزيفين التي ذرف الدموع لفراقها ودَوّن لها الخطابات حتى وهو في قلب المعارك.
أوبنهايمر.. حينما يَسوق الطموح
طالما اشتهر المخرج البريطاني كريستوفر نولان بأفلامه عالية التكلفة المستمدة من قواعد الفيزياء وتحضر العلوم كأحد أبطالها، وهو ما حدث أيضًا في فيلم Oppenheimer، وهو سيرة ذاتية عن عالم الفيزياء الأميركي ج. روبرت أوبنهايمر المشرف على مشروع مانهاتن والملقب بأبي القنبلة الذرية.
عقب سماع كلمة القنبلة الذرية سرعان ما يتبادر إلى الذهن المأساة التي عاشها اليابانيون عقب سقوط القنابل على هيروشيما وناجازاكي، ولكن ارتأى نولان النظر إلى ما هو خلف الدماء والمسبب لها حيث طموح أوبنهايمر لبلوغ الكمال العلمي وتحقيق ما لم يسبقه له غيره.
يبدأ نولان فيلمه بعبارة استعارية تربط بين مصير أوبنهايمر وبرومثيوس الذي سرق قبسًا من النار ومنحها للإنسان، مقاربة متباينة حيث يرى نولان أن أوبنهايمر تعذب جراء ما فعل وتم التنكيل والتشهير به كما حدث مع برومثيوس الذي بات مقيدًا بالعذاب للأبد، لكن كليهما يختلف في الدوافع، حيث فضل برومثيوس البشر على نفسه وقبل العذاب في مقابل تمتع البشر بحياة الرخاء، في حين أحب أوبنهايمر نفسه أكثر من أي شخص وساقه طموحه رغم براعة عقله في الرياضيات والفيزياء والعلوم.
يصور الفيلم أوبنهايمر رجلًا خائفًا من الفشل، خائفًا من أن يسبقه أحد، خائفًا من أن يفقد المتعة، متعة الحياة.. متعة التحقق.. متعة الخلود، أن يتردد اسمه على الشفاه في كل العصور، ثلاث ساعات هي مدة فيلم «أوبنهايمر» كشف بها نولان عن الازدواج الذي يعيشه أوبنهايمر مثل حالة الانشطار الذي تعيشه النواة، تشبه حياة أوبنهايمر هذا الانشطار حيث كان الطموح والأضواء في البداية وانتهى به الأمر مع الخوف والتهميش.
حذاء يحلق به جوردن في السماء
عادة ما يرافق الخوف الطموح، الخوف من الفشل يكون دافعًا لبلوغ طموح قد يكون مدمرًا كما هو الحال مع نابليون أو أوبنهايمر. مع هذا، هناك طموح محمود، بل ومنشود كما هو الحال في فيلم Air الذي أخرجه بين أفليك وتم عرضه منتصف 2023، يعيد الفيلم الثنائي Ben Affleck «بين أفليك» وMatt Damon «مات ديمون» للتمثيل من جديد سويًا، وذلك لتقديم جانب من سير ذاتية مشتركة تجمع بين Sonny Vaccaro «سوني فاكارو» المسوق الرياضي الشهير وPhil Knight «فيل نايت» الرئيس التنفيذي السابق للعلامة التجارية الرياضية Nike «نايكي» لإنجاز إحدى أشهر الصفقات في عالم الرياضة الأميركية مع أسطورة كرة السلة Michael Jordan «مايكل جوردن».
يستهل أفليك الفيلم توضح السمات الشخصية لكل من سوني وفيل وفريق نايكي، يبذل سوني كل جهده لإقناع فيل وكذلك عائلة جوردن، لا سيما والدته للموافقة على توقيع صفقة مع نايكي لتصميم حذاء لن يشبه غيره من الأحذية للنابغة الرياضية الصاعد مايكل جوردن، وذلك خلال ثمانينيات القرن المنصرم.
يغلب على الفيلم الطابع الحواري نظرًا للمفاوضات التي يخوضها سوني مع فيل والفريق وكذلك عائلة جوردن، ما يكشف عن قوته في الإقناع وجذب الطرف الآخر إلى تصوره، على عكس أوبنهايمر ونابليون يعد فيلم Air أكثر محلية وانغماسًا في الداخل الأميركي وعالم الرياضة الأميركية. مع هذا، نستشعر الطموح الذي يهيمن على سوني وكيف نجح في النهاية في تحقيق حلمه وبلوغ الطموح الذي اعتبره الكثيرون أنه لن يتجاوز عتبة الأحلام.
