فهد السعير
تؤدي الفنون دورًا مؤثرًا في تبادل الثقافات، وتشكيل الوعي العام، وتقديم الرسائل التوعوية التي تنعكس بشكلها الحضاري على المجتمع، باعتبارها الأداة الأكثر فعالية، من حيث تجاوز الفوارق اللغوية والاجتماعية؛ لتصنع تقاربًا مجتمعيًا نشطًا مع حركة الدولة.
على هذا الأساس جاء اهتمام المملكة العربية السعودية بالفنون، وقطاع الأفلام على وجه التحديد، لإعادة صياغة الثقافة المجتمعية وفق رؤى تنويرية تطويرية تواكب الحداثة وتحافظ على التراث وتزيد ترابط المجتمع.
إدراك قيمة السينما وتأثيرها مجتمعيًا، شكّل جزءًا من هذه الرؤية التي تعتمد على الفنون كأداة تثقيف وتنوير لتكون بذلك جزءًا من المشهد الثقافي المجتمعي، وهي بهذا المعنى أحد أقصر الطرق وصولاً إلى عقول الجمهور، في إطار مشهدٍ أكثر اتساعًا يستوعب عملية البناء الاجتماعي.
ما زلت مقتنعًا، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ الأفلام لا منافس لها من حيث التأثير في البنية الثقافية للمجتمع، بحيث يزداد الوعي تجاه قضية ما وينخفض بالقدر نفسه الذي تستوعبه الفنون وتنقله للجمهور في قالب تشويقي درامي يُثير العواطف ويستقطب القلوب.
النقطة الأبرز في هذه القضية أن جمهور الفن، أو الأفلام تحديدًا، يتسع ليشمل أغلب فئات المجتمع، نساءً ورجالاً وشبابًا وشيوخًا، مثقفين وغير مثقفين، حرفيين ومهنيين، الجميع يظل متصلاً بالعمل الفني بدرجات تزداد وتنقص حسب درجة تأثير أحداث الفيلم على المتلقي.
على أنّ درجة تأثير السينما في المجتمع تظل مرهونة بالقدرة على تطوير أدواتها لتكون مصدر الترفيه الأول لدى الجمهور المحلي، وبالتالي فإنَّ النتيجة الطبيعية لنجاح مجموعة من الأفلام السعودية خلال الفترة الماضية، ومن بينها فيلم «سطار»، هي رفع درجة الثقة في المنتج السينمائي الوطني، وهو بدوره يُشكِّل عنصرًا من عناصر البناء الاجتماعي، القائم على فهم واستيعاب الظروف الاجتماعية وثقافاته.
قطعت المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة نحو التحول الثقافي والانفتاح الحضاري، منذ فتحت صالات السينما أبوابها أمام المنتجات السينمائية، وهو ما لقي تفاعلاً منقطع النظير مقارنة بأسواق السينما في المنطقة. وإدراكًا لحجم هذا التفاعل جاء الاهتمام بالفيلم السعودي، لدوره في بناء ثقافة جديدة تعتمد على رؤية مجتمعية وفنية متقاربة. ومن ثمَّ، فإن النتيجة الحتمية هو الإيمان بأن الفيلم هو أبرز وسيط سمعي وبصري يؤدي دورًا مهمًا في تشكيل الاتجاهات، وبناء الثقافات المجتمعية.