علاء أبو زيد
نحن وبلا مبالغة أمام أعظم ما كتب نجيب محفوظ.
نحن أمام ملحمة الحرافيش الدرة الروائية غير المسبوقة في الأدب العربي، حيث تصف النفس البشرية وتمزقها بين البحث عن خلاص، والسعي وراء الملذات، وتقوم سرديًا على عشر حكايات تتبع سيرة أسرة أسطورية بدءًا من عاشور الناجي الجد المؤسس وصولًا إلى الحفيد العاشر في السلالة، وبين الجد والحفيد نعيش مع أبطالها ملحمة إنسانية فريدة.
زهيرة الناجي أو نادية الجندي، هي بطلة الحكاية السادسة في فيلم يحمل نفس عنوان الحكاية.
لم ينجح الفيلم على المستويين الجماهيري والنقدي، رغم اجتماع فريق عمل قلما يتكرر في أفلام تلك المرحلة الزمنية منتصف الثمانينيات.
تأمل معي فريق العمل: المؤلف نجيب محفوظ، والسيناريو والحوار مصطفى محرم وبهجت قمر، والماكيير محمد عشوب، والأبطال: نادية الجندي وفريد شوقي وحسين فهمي وصلاح قابيل ومحيي إسماعيل وعايدة عبدالعزيز ونعيمة الصغير.
في هذا التوقيت كانت نادية الجندي مشغولة بالتأكيد على لقبها نجمة الجماهير في ظل منافسة شرسة مع نبيلة عبيد نجمة مصر الأولى، ولم يكن لديها استعداد المغامرة بنجاحها المضمون، فأخذت زهيرة الناجي إلى طريق بطلاتها السابقات البنت الفقيرة التي تصعد من القاع إلى القمة، لكن نجيب محفوظ لم يكتب شهد الملكة بالطريقة التي تروق لنجمة الجماهير وفريقها في الفيلم.
هذه زهيرة الناجي كما جاءت في ملحمة الحرافيش:
طفلها جلال كان شاهدًا على الواقعة
لم يفعل شيئًا غير أنه ظل يبكي.
كانت عصا زوجها الثاني محمد أنور تهوي على رأس أمه زهيرة المنحدرة بصدق من آل الناجي عن طريق فتحية أم البنات زوجة سليمان الناحي الأولى.
لم يبقَ من وجه البهاء والجمال إلا عظام محطمة غارقة في بركة من الدماء.
كانت زهيرة طفلة فقيرة تبلغ من العمر عشر سنوات عندما تولى رعايتها وجيه الحارة عزيز الناجي عند أمه وزوجته.
بعد عشر سنوات أخرى رآها.
لقد جاءت لتشكره وتودعه للزواج من عبده الفران.
لم تكن زهيرة تعرف عن نفسها غير أنها بنت فقيرة آن لها أن تتزوج.
نجيب محفوظ يكشف ما كان غائبًا عن زهيرة بعين عزيز الناجي. ليهيئ لنا كيف تحولت زهيرة إلى ضحية جوع الرجال ذوي النفوذ، وكيف تحولت هي إلى وحش لا يشبع من الرجال.
قوام رشيق لا يتأتى لراقصة.
صفاء بشرة لا يحظى به بشر.
فتنة عينين مسكرة مخدرة.
إنها روح الجمال الفتاك.
تستجيب زهيرة لطلب زوجها عبده الفران بأن تعمل.
كانت تعجب برجولته وتستكين إلى حرارته وتسلم به مثل قدر.
القارئ أصبح يعرف سر غرام الرجال بها، لكن هي لم تكن تعرف.
بانطلاقها للطريق تكتشف ذاتها.
تنبهت إلى سحرها وقوتها.
الأعين تلتهمها والألسن تتغنى بالثناء عليها.
منظرها يبعث السحر ويخلق الحركة.
إنها قوية مدللة بالطبيعة والناس.
وهي تقابل الغزل بالترفع والكبرياء.
وتزداد تيهًا وثقة بالنفس.
الصراع يحتدم وزهيرة الهدف من قبل هؤلاء:
عبده الفران الفحل البغل الزوج الأول.
محمد أنور التاجر الثري الضعيف الزوج الثاني.
نوح الغراب فتوة الحارة المسالم لفتوات الحارات الأخرى المستبد بناس حارته الزوج الثالث.
فؤاد عبدالتواب المأمور السفاح والذي يثقبها بنظرة جامحة جائعة تجعلها تغمغم لنفسها… حتى المأمور؟!
عزيز الناجي وجيه الحارة وخازن قيم عائلته الزوج الأخير.
باطن زهيرة يتغير ببطء، ولكن بثبات وإصرار، وكانت تحقد على كل من يطالبها بالرضا.
تترك كل الأطراف تتصارع، فيما هي تنجح في اقتناص فريستها وتتزوج من عزيز الناجي لتنعم بالدار والثروة والجاه.
تقتل زهيرة ويتقلد ابنها جلال الفتوة.
لكن صورة وجه أمه الأخيرة لم تغب.
كان يسأل لماذا وافقت أمه على أن تموت.
ولماذا قبل الحرافيش أن يعيشوا في وضاعة دائمة.
توصل جلال ابن زهيرة للإجابة:
الحرافيش تستحق وضاعتها
والموت يجب أن يتوقف للأبد.
هذا الفيلم يحمل إدانة للمخرج الشهير حسام الدين مصطفى الذي نجح في أن يقدم ثلاثة أعمال خالدة للسينما مأخوذة من روايات نجيب محفوظ وهي: الطريق والسمان والخريف والشحاذ، فيما لم ينجح في تقديم الحكاية السادسة من ملحمة الحرافيش أهم أعمال محفوظ.
هل السر عند زهيرة الناجي أم نادية الجندي؟