أمنية عادل
حينما نشأت الكوميديا جذبت الكثير من المهتمين، وهو لا يزال حاضرًا حتى لحظتنا المعاصرة. تشكل الكوميديا ضلعًا هامًا من أضلع تجربة صناعة ومشاهدة السينما في المملكة العربية السعودية، تلك الصناعة التي سرعان ما رسمت ملامحها وفقًا لمعطيات مرئية ومفاهيمية محددة. شهد عام 2023 إنتاج تجارب فيلمية تقدم الكوميديا بخلطة مدروسة الصفات والملامح تجذب الجمهور وتبعث على الضحك؛ أفلام مثل: «الخلاط+، سطار، الهامور، راس براس»، وهو ما يطرح سؤالاً: «كيف نجح الفيلم السعودي الكوميدي في 2023؟ وما ملامح خلطة النجاح؟».
تعددت التجارب الفيلمية الكوميدية السعودية في تقديم قصص ومواقف فكاهية نابعة من منابع الإضحاك المعتادة للجمهور السعودي، لا سيما الشباب منه. تلك المنابع التي نضجت وتبلورت لتناسب المشهد السينمائي السعودي المتنوع، في مقدمة تلك المنابع قنوات اليوتيوب التي حظيت بشعبية كبيرة في الداخل السعودي، مثل: «تلفاز 11، خمبلة، ميركوت، مسلسل مسامير الشهير، كيس، وكذلك قناة الأخوين قدس».
قدمت تلك القنوات سكتشات كوميدية ومشاهد تمثيلية قصيرة تعتمد على الكوميديا لقراءة المجتمع السعودي وتقديم رؤية الفنانين الشباب عن واقعهم ومحيطهم، حتى ظهور فيلم «شمس المعارف» 2020 الذي شكل باكورة الأفلام الكوميدية السعودية، بحكايات ومواقف كوميدية داخل مدرسة بنين يحاول أحد طلابها صناعة فيلم سينمائي.
إعداد وتخمر
تشكل إنتاجات 2023 من الأفلام الكوميدية السعودية انطلاقة واضحة نحو ملامح صناعة الفيلم الكوميدي السعودي، الذي استفاد من مرحلة الإعداد الطويلة في قنوات اليوتيوب والسكتشات الضاحكة، تلك التي كانت بمثابة بروفات متعددة لصناع السينما الحاليين، من الممثلين الكتاب، والمخرجين، وكذلك العاملون في مجال صناعة الصورة السينمائية، من أمثال: «فارس قدس، صهيب قدس، براء عالم، إسماعيل الحسن، إبراهيم الحجاج، زياد العمري، عبدالعزيز الشهري، عادل رضوان، مالك نجر، عبدالعزيز المزيني»، وذلك لتطوير سبل سرد القصص وكيفية حكي الحكايات بصريًا. تلك السبل التي يظهر بها ثلاثة عوامل هامة: الأول الرغبة في إضفاء الصبغة السعودية على تفاصيل الحكايات حتى تشبه مشاهديها، من خلال تقديم عوالم وعادات وتقاليد وملامح شخصيات تميز الداخل السعودي، والثاني الاستفادة من تجارب المشاهدات للسينمات العالمية لا سيما الأميركية والهندية. أما العامل الثالث، هو الاعتماد على كوميديا الموقف وصياغة المشاهد الكوميدية باحترافية ومنهجية تعتمد على إبرام صفقة مع المشاهد تدفعه دفعًا للانخراط في عالم الفيلم والتماهي معه دون إقحام التهريج والابتذال، وذلك في إطار السياق العام للقصة التي تحمل الكوميديا بداخلها.
يعد فيلم «سطار» واحدًا من أفضل ما قدمته السينما السعودية ونموذجًا للفيلم الكوميدي لعام 2023. في حال لم تكن من محبي المصارعة لن يمنعك ذلك من الاستمتاع بفيلم «سطار.. عودة المخمس الأسطوري»، حيث سعد هذا الشاب البدين الذي يحلم بالفوز في المصارعة تلك الرياضة التي يهوى، وفي سبيل تحقيق ذلك يتعرف على هوجين والمدرب الباكستاني عبدالخالق وعالم الحفرة القابع تحت شوارع المدينة. يقدم صناع العمل، وهم المخرج عبدالله العراك والكاتبان إبراهيم الخير الله وأيمن الوتار، تحية لفيلم Fight Club للمخرج ديفيد فينشر، لكنه سرعان ما ينخرط في ملامح المجتمع السعودي على صعيد الصورة وشريط الصوت والأغاني أيضًا حيث الشيلات السعودية، وكذلك صوت نصرت فتح الله خان الباكستاني العذب، عاكسًا التنوع الاجتماعي وأحلام الشباب السعودي. قيمة فيلم «سطار» في أنه لا يتوقف عن مفاجأة المشاهد، سواء على صعيد الكوميديا أو التطور الدرامي.
عالم لا يشبه غيره من العوالم
يلعب المجتمع والبيئة دورًا ملحوظًا وقيمة حاضرة في السينما الكوميدية السعودية، وهو ما يتضح في فيلم «راس براس» للمخرج مالك نجر والكاتب عبدالعزيز المزيني. من خلال حلقات مسامير ذات الشعبية الكبيرة تطورت رؤى نجر والمزيني وكذلك الكوميديا التي يقدمان، ربما لا ينافس فيلم «راس براس» سابقه «سطار» في الكوميديا لكنه يقدم تجريبًا جديدًا للفيلم السعودي الكوميدي الذي يتقاطع بين تنوع بارودي فانتازي ديستوبي لرسم عالم خاص عن حي «بذيخة» لا يشبه غيره من الأحياء في السعودية ويحمل قصته الخاصة بداخله؛ دعم ذلك توظيف الإضاءة والملابس وزوايا التصوير، كما لم يغفل نجر والمزيني توظيف الأنيمشن والرسوم المتحركة للعودة إلى ماضي “البذيخة” وكيف نشأ «الديمن» شرير الحكاية.
حاول فيلم «راس براس» خلق عالم ديستوبي خاص رسم ملامح مدينة في خيال صناعها، في حين قدم فيلم «الخلاط +» من إخراج فهد العماري، وسيناريو محمد القرعاوي، وفهد العماري، ووائل السعيد، ومشاري الشلالي؛ المجتمع السعودي بأطيافه وتنوعاته الاجتماعية، حيث قدم الفيلم أربع قصص مختلفة تنطلق من الحياة اليومية في إطار ترقبي جاورت فيه كوميديا الموقف القيمة الفنية البصرية، وهو ما يظهر بشكل جلي في المشهد الافتتاحي الذي يستهل به العماري فيلمه، حيث مشهد جاوز 3 دقائق تم تصويره كلقطة واحدة تتنقل داخل أرجاء المنزل.
في الخلاط
يعنون «الخلاط+» قصصه بأقاويل تراثية أو أمثال تنطوي على معنى، جميعها قصص تدور في فلك الاحتيال ومحاولة الخروج من شرك محقق. حكايات قد نراها في عالمنا المعاصر تقدم بصيغة كوميدية سينمائية تعتمد على المفارقة في زيادة جرعة الكوميديا والتفاعل معها.
انطلاقًا من قصة حقيقية وفي تأثر واضح بملامح سينما سكورسيزي، يقدم المخرج عبدالإله القرشي فيلم «الهامور ح.ع». يحاول القرشي في أفلامه اكتشاف ملامح «جدة» الأرض والناس كما حدث في فيلم «رولم» 2019. تعد تجارب القرشي هي الأقرب من بين الأفلام المذكورة إلى الشكل الدرامي المتطور من داخله، حيث إنه قدم تجارب سينمائية تسبق «الهامور ح.ع». في حين قدم صناع أفلام «راس براس، والخلاط+ وسطار»، سكتشات كوميدية رغم جودتها وتطورها الدرامي.
اعتمد القرشي على أسلوب الحكي من خلال الراوي الذي يتتبع القصة وينقلها إلى المشاهد عن طريق التعليق الصوتي للراوي العليم بالأحداث، والراوي هنا في «الهامور ح.ع» هو الهامور نفسه حامد الذي يقوم بدوره فهد القحطاني في أول بطولة سينمائية له. ترافق الكوميديا الخط الدرامي التشويقي الذي ينتهجه الفيلم، لكنها تبقى كوميديا سوداء تشير إلى الواقع بمتغيراته وتنوعاته.
هناك أمران لافتان في التجارب الفيلمية الكوميدية لعام 2023 في السينما السعودية، الأول هو الاهتمام الملحوظ من قبل المنصات كنتفليكس بما تقدمه السينما السعودية والكوميديا السعودية التي تلقى رواجًا واهتمامًا تم قياسه من قبل في صورته الأولى، أي قنوات اليوتيوب والفيديوهات القصيرة، وهو ما يرجح زيادة رقعة التعاون الإنتاجي خلال الأعوام المقبلة في العديد من الأعمال التي يقدمها الصناع السعوديون وتنبع من داخل عالمهم، وإن تنوعت سبل الحكي والعوالم التي يقدمونها خلالها.
الأمر الثاني اللافت، هو تواري الحضور النسائي في الأعمال سالفة الذكر، مثل:؛«سطار، وراس براس، والخلاط+ والهامور ح.ع»، حيث تحضر المرأة بصورة ثانوية. لا يعيب ذلك الأفلام، لكن يطرح تساؤلاً آخر وهو: هل نرى قريبًا حكايات كوميدية تقودها بطلات؟