عبدالله الزيد
ظهرت لأول مرة منذ خمسمئة عام قبل الميلادي لتكون تعبيرًا عن الأبهة والفخامة، فأبت إلا أن تكون حينها طريقًا للانتقام والموت، كان ذلك في تراجيديا «مأساة أجامنون» من رائعة أسخيلوس في المسرح اليوناني. إنها السجادة الحمراء the red carpet التي زينت منذ مطلع العشرينيات في القرن الماضي، ولا تزال تزين أشهر حفلات الافتتاح والجوائز الكبرى لمهرجانات السينما حول العالم، بكل ما يدور فيها من انتصارات، وخيبات، وآمال، ونجوم، وفضائح، ومحسوبيات. لتكون تلك السجادة الحمراء التي تكاد لا تُرى من كثرة ذيول فساتين النجمات الطويلة، والأحذية، وربطات العنق الغريبة، وقصات الذقون والشعر البوهيمي؛ أشبه بـ«فاترينة» عرض لأزياء كبار المصممين حول العالم.
لقد واجهت السجاجيد الحمراء عبر تاريخها في السينما العديد من حملات الانتقاد؛ كونها تعزز الأنماط الجنسية التقليدية وتخلق ضغوطًا غير صحية حول الجمال والأناقة. وأذكر أن الممثلة الجميلة ريز ويذرسبون الحائزة على أوسكار عن دورها في «Walk the Line» سبق أن روجت حملة «AskHerMore» ضد النزعة الاستهلاكية والإسفاف الذي تفرزه السجاجيد الحمراء في مهرجانات السينما، مطالبة مراسلي قنوات الصحافة والتلفزيون أن يطرحوا على الممثلات أسئلة أكثر ثقافة وتعقيدًا بدلاً من التركيز على الفساتين وقصات الشعر! أيضًا الجوكر خواكين فينيكس هو الآخر انتقد تلك التقاليد التي اعتبرها «إهانة٨ وتركيزًا على أمور ليس لها علاقة بالسينما وما تحويه من تجارب!
الأكيد أن السجادة الحمراء – بحسب رأيي المتواضع – ليس لها علاقة بالفن ولا الفنانين، وإنما هي جزء من الطابع الترويجي والتجاري للمنتجات الفنية. والسينما لم تصمد ولم تصل إلى ما وصلت إليه دون المال، ودون ذلك التاجر المتخفي خلف لقب المنتج. وبالتالي، فإن هذه الحركة التجارية على السجاجيد الحمراء الزاهية، هي بيئة خصبة لنمو الحشائش الاستهلاكية من حولها؛ إذ للتجار قدرة عجيبة ودائمة على تحويل الأمور عن جوهرها الأصلي إلى علاقات تبادلية وسطحية! وهذا ببساطة، لأن التاجر تاجر ولن يكون فنانًا، وليس مطلوبًا منه أن يكون فنانًا. والخلاصة إن كنت تريد السينما كفن تجاهل الكثير من السخف الذي لا بد منه على أرض تلك الحمراء التي تسر الناظرين، وتعايش أو كما يقول ابن عطا: تحامق مع الحمقى إذا ما لقيتهم ولا تلقهم بالعقل إن كنت ذا عقل!