محمود غريب
تخلق السينما جسرًا عابرًا للحدود؛ لنقل ثقافات وعادات مجتمعية محلية إلى العالمية، وهي المهمة التي تنفق عليها الدول مبالغ طائلة، بينما يمكن لفيلم واحد أن يضع ثقافة وطنية على شاشة كبيرة أمام جمهور عالمي متعدد الجنسيات، كما يمكن لمهرجان سينمائي ناجح أن يحول محركات البحث العالمية باتجاه الدولة المستضيفة.
الأمثلة كثيرة على تحويل عادات اجتماعية محلية إلى العالمية؛ بسبب تسليط فيلم سينمائي الضوء عليها، وباتت شعوب العالم تعرف أماكن وأطعمة وعادات من أقصى الأرض لأدناها، وهو مجال تأثير واسع المفعول لجمهور المشاهدين والمهتمين بصناعة السينما، وبالتالي تبقى السينما أحد مصادر القوة الناعمة للدول والمجتمعات.
بفضل أفلام الأنيمي، تعرّف محبو هذه الأنواع من الأعمال الفنية على اليابان، التي ظلت لسنوات طويلة رائدة في هذا النوع الفني، زاحمتها دول أخرى على غرار كوريا الجنوبية وغيرها، بفضل المشاهدات المليونية التي حصدتها أفلام الأنيمي حول العالم. أضف إلى ذلك التأثير الكبير الذي أحدثه البوب الكوري الذي لا تزال أخباره تلتقطها وسائل الإعلام المختلفة حول العالم بشكل يومي لمتابعة جديدهم.
في كوريا الجنوبية أيضًا، جرى الاحتفاء بمخرج مسلسل «لعبة الحبار»، هوانغ دونغ هيوك، الذي نقل الثقافة الكورية إلى أنحاء العالم، وهو التأثير الذي لاحظه متخذو القرار في سول، على صعيد خلق قوة ناعمة لبلادهم من باب الفن.
المهم أن الرسالة لا تصل للجمهور عبر هاتفه ولا عن طريق بريد إلكتروني، فقط تأتي من خلال الإعجاب بعمل فني ومنحه مزيدًا من الوقت للمشاهدة وترقب المزيد من المنبع نفسه، وهو ما يؤكد أن تحقيق هدف القوة الناعمة لا يأتي من فراغ فني، بل عبر عمل مقنع للمشاهد على كافة المستويات، سواء القصة والحبكة الدرامية، أو التصوير والإخراج.
يبقى التذكير بأن السينما تحمل رسالة مهمة في سياق معالجة القضايا المجتمعية محل الجدال لتسليط الضوء على صورة غير نمطية تغير من وجه نظر المشاهدين تجاه هذه القضية، عبر تصحيح المفاهيم المغلوطة والخلفية الذهنية الخاطئة، ما يجعل فيلمًا سينمائيًا بديلاً لحلقات نقاشية تستمر لساعات، وربما لا تصل إلى درجة الإقناع نفسها التي يحققها فيلم سينمائي، يثير إعجاب الجمهور ويقنعه بالسياق الدرامي.
ليس فقط بالقضايا الاجتماعية، بل يمكن للفن السابع أن يلعب دور «الدبلوماسية الموازية»، من خلال نقل رسائل والتركيز على قضايا محورية على الصعيد الإقليمي والعالمي، فلك أنت تتخيل تأثير فيلم ناجح دوليًا عندما يتناول قضية من قضايا الشرق الأوسط، لتغيير نمطية الصورة الذهنية للجمهور العالمي.
لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر تركيزًا سينمائيًا ودعمًا حكوميًا، وتوفير استشارات متخصصة للقائمين على الصناعة والكُتّاب، من أجل تسليط الضوء على قضايا معينة يدركها صُناع القرار ومستشاروهم بشكل أكثر وضوحًا من أهل الفن والاختصاص السينمائي.