عبدالله الذبياني
تحرك نشاط السينما لدينا في المملكة على مسارين منذ عودة دور السينما للبلاد ابتداء من عام 2017. تمثّل المسار الأول في توسع ثقافة الحضور لدور القاعات للأفلام المقدمة من الخارج، فيما بدأ يتشكل مسار ثانٍ ممثلاً في صناعة أفلام للدور، وليس للمسابقات أو البيع على القنوات، كما كان سائدًا قبل التشريع رسميًا لهذا النشاط، وربما يمكن اعتبار فيلم «حد الطار» الذي تم عرضه عام 2020، نقطة الأساس نحو إنتاج الأفلام السعودية لغرض العروض في دور السينما، وليس القنوات أو المسابقات. هذا لا ينفي وجود مبادرات سابقة لهذا الفيلم، لكن كانت في حدود ضيقة وفي ظل غياب التشريعات في حينها، لا يمكن اعتبارها صناعة أو باكورة صناعة، فهي لم تكن أكثر من أنشطة فردية.
ما تحديات السينما لدينا؟.. هل هي الإنتاج، أم الممثلون أم الكوادر المؤهلة، أم النقد السينمائي؟ بدرجة عالية يمكن استبعاد القدرة على الإنتاج من تلك التحديات. فالقدرة المالية عالية يمثلها حجم الاقتصاد، وهي عامل مهم في الإنتاج السينمائي مدعومة بالقدرة الشرائية للسكان، والذي انعكس في مباشرة خمس شركات أو ست لافتتاح صالات العروض في عدد من مدن المملكة، ولا يزال النمو مطردًا. انعكس ذلك في صدور عشرة أفلام سعودية هذا العام.
ويبقى تأهيل الكوادر في التمثيل وصناعة السينما والنقد السينمائي في ظل غياب المعاهد المؤهلة في هذه الصناعة، هو التحدي الأبرز، ولا يمكن لأي صناعة أن تنمو وتزدهر بمبادرات فردية؛ حتى لو وجدت التشريعات المنظمة، فإنها غير كافية لوضع أسس متينة لصناعة مستدامة. هذا لا ينفي وجود مبادرات من قبل عدد من الجامعات السعودية في هذا الخصوص، كما أشاد بذلك الأمير بدر بن فرجان، إلى جانب نشاط الوزارة في عقد دورات في أطراف الصناعة، غير أنه كل هذه المبادرات ما زالت وليدة ولا تواكب حجم الإنتاج الذي بلغ في عام واحد عشرة أفلام.
من تلك المبادرات التي يمكن اعتبارها أساسًا جديرًا بالإشارة إليه، ما أعلنته جامعة عفت الأهلية «مقرها جدة»، وهو بكالوريوس العلوم في الفنون السينمائية؛ هو برنامج رائد للطالبات المتطلعات إلى متابعة دراساتهن العليا في مجالات إنتاج الأفلام. ويعتبر البرنامج الدرجة الجامعية الأولى والوحيدة في التعليم العالي في المملكة العربية السعودية التي تخرج مهنيين مؤهلين لتلبية احتياجات السوق لهذه الصناعة المزدهرة. وبكالوريوس العلوم في الفنون السينمائية عبارة عن برنامج مهني موجه نحو المهارات ويعمل وفقًا لأفضل الممارسات في الجامعات الرائدة في العالم؛ من أجل خلق توازن بين المهارات والنظريات. ويشتمل البرنامج على خلفية أساسية في تاريخ الفنون السينمائية، وهياكل صناعة السينما، والإعلام، ووظائف وتأثيرات وسائل الإعلام، والقانون، والأخلاقيات المتعلقة بالفنون السينمائية، وتحليل الأفلام، والنقد، والبحوث الإعلامية، والتسويق. الهدف الأساسي من البرنامج هو تقديم منهج دراسي حديث في مجال الإعلام والفنون السينمائية سريع التغيير، والمساهمة في كتابة تاريخ صناعة الأفلام في المملكة العربية السعودية والخليج.
لا شك أن المملكة بقيت عقودًا دون معاهد أو جامعات أو مبادرات في صناعة السينما، متوازيًا مع عدم السماح بصالات العرض، حتى حدثت الانفراجة بعد إطلاق رؤية المملكة 2030، التي امتدت أذرعتها لكل القطاعات بما فيها السينما. وهذا الغياب الطويل عن الصناعة أثر بشكل جلي في الكوادر المؤهلة، سواء في التمثيل أو في الخدمات الأساسية والفنية والمساندة في الصناعة، والأمر يحتاج إلى عدة سنوات، ربما لا تقل عن خمس لحصد نتاج المبادرات العلمية في الجامعات السعودية، التي تحظى بدعم وتشجيع وزارة الثقافة.
قد يكون التحدي المهم في هذه المرحلة هو «النقد السينمائي أو الفني» للأفلام السعودية؛ ولأنه لا يوجد لدينا معاهد أو جامعات تدرس هذا التخصص، قد يكون من المناسب تطبيق فكرة «العرض الخاص» لأي فيلم سعودي، بحيث يُدعى له نقاد من دول سبقتنا في هذه التجربة، مثل: مصر ودول شمال إفريقيا والكويت.
النقد السينمائي الحقيقي هو التحدي الفعلي لصناعة السينما في المملكة، ولا يمكن أن نذهب بعيدًا في هذه الصناعة دون وجود النقاد المؤهلين. فالنقد السينمائي هو عملية تحليل وتقييم وتذوق العمل الفني بشكل عام، والدرامي والسينمائي بشكل خاص، من جميع جوانبه من حيث القصة والإخراج والموسيقى التصويرية والتمثيل والإضاءة والمونتاج إلى آخره من مكونات وأساسيات العمل الفني الدرامي أو السينمائي. وبشكل عام يمكن تقسيم النقد السينمائي إلى ذلك الذي يظهر بانتظام وله مساحات محددة ومعروفة في الصحف، وهو النقد الأكاديمي من قبل النقاد الأكاديميين والباحثين المتخصصين في النقد السينمائي، والذي يُنشر في الدوريات المتخصصة.
ما يدفع بدرجة عالية نحو تأهيل نقاد سينمائيين في المملكة، هو دخولنا في قائمة المهرجانات العالمية للسينما من خلال مهرجان البحر الأحمر الدولي، الذي بات يحتل مكانة كبيرة إقليميًا. وليس من المبالغة أنه بات يخطو بخطى ثابتة نحو العالمية، استنادًا إلى تطبيقه معايير المهرجانات الدولية مثل «كان» دوليًا، والقاهرة إقليميًا. فلجان التحكيم في مهرجان، من المناسب جدًا وضمن آليات التسويق، أن يكون من بين أفراد لجان التحكيم كوادر سعودية مؤهلة، وليست مهتمة فقط أو متابعة، تستند إلى خلفيات معرفية وليست علمية.
في ظل كل المعطيات، باستثناء النقاد السينمائيين الذين يتوقع أن يدفعوا بجودة الإنتاج إلى حضور الفيلم السعودي «نقصد السعودي إنتاجًا وكوادر»، يمكن أن تحظى الأفلام السعودية بفرص أعلى في الجوائز العالمية في هذه الصناعة. قد يعتقد البعض أن ذلك يبدو بعيدًا على سبيل المثال مع الأوسكار، لكن الحقيقة ليست كذلك، هناك دول أقل إنتاجًا وصلت حتى القوائم القصيرة في الأوسكار، منها أفلام من دول مثل: السودان ولبنان وفلسطين واليمن. ربما من مفارقة القدر أن السينما المصرية التي تجاوز عمرها 100 عام، لم تدخل حتى القائمة الطويلة في الأوسكار العالمي. هذا ربما يعكس ضرورة الإنتاج العالي، مدعومًا بالفكرة وتراكم تجربة النقد نحو تحسين الصناعة مع مرور الزمن.