سماح عادل
حينما تمر المجتمعات بنهضة اجتماعية وثقافية يكون المؤشر القوي على هذه النهضة حال النساء فيه، فالتاريخ يخبرنا دومًا أن المجتمع حين ينفتح بعد فترة إغلاق طويلة، وحين يبدأ في النهوض بعد فترة رقاد، تكون النساء جزءًا أساسيًا من هذا النهوض والتفتح.
في المجتمع السعودي لاحظنا جميعًا صعودًا قويًا في الأدب، وخاصة في مجال الروايات، حيث ظهرت مجموعة من الشابات اللاتي كتبن بجرأة وحللن مجتمعهن وقدمن تجارب كاشفة وجريئة، تظهر المجتمع بصورة واضحة تمامًا، ومن أمثال هؤلاء الروائيات «رجاء العالم، أثير عبدالله النشمي، رجاء الصانع، زينب حفني، أميمة الخميس»؛ مما يجعلنا نتكلم عن نهوض نسائي سعودي.
هذا الازدهار والنهوض من قبل أجيال شابة من النساء تلك تظهر في مبادرات فردية من كاتبات استطعن أن يكتبن أسماءهن بحروف ساطعة في سماء الثقافة.
أفلام للنساء..
على مستوى السينما السعودية أيضًا نجد تجليات لهذاالنهوض والتطور الذي يظهر كطفلة وليدة تضحك للنور، فنجد أفلامًا تصنعها السيدات كمخرجات ويؤدين فيها أدوار البطولة النسائية.
وفيلم «حياة امرأة» من هذا النوع من الأفلام الذي قامت ببطولته امرأة، وأيضًا يحكي حكاية امرأة، رغم أن المخرج رجل، لكن التحيز للنساء واضح لتقديم تجاربهن، وننبهر ونحن نشاهد قوة الشخصيات النسائية وثقتهن بأنفسهن.
فـ«مريم» في المشهد الأول في الفيلم تقف أمام ابن عمها الذي يحاول إجبار زوجها الذي تحبه على تطليقها، والذي تزوجته فقط لأنها تحبه وليس لأنه قريبها، ولا تعبأ باجتماع الرجال من حولها فتصرخ في وجهه معترضة لأنه يريد تفريقها عن زوجها، الذي تزوجته أمام الشرع والقانون، وتخجل قليلًا حينما ترى والدها الذي ينظر إليها بلوم.
امرأة صلبة..
وطوال الفيلم نرى امرأة قوية صلبة تواجه صعوبات الحياة بحزم وإصرار، تمتلكه النساء دومًا ويظهر وقت الأزمات، فتهرب من بيتها خوفًا على زوجها من بطش ابن عمها، وتتحمل مسؤولية الحياة حين تكتشف أن زوجها يشرب المخدرات والمشروبات الكحولية، وتظل هي من تقف كحائط قوي وصلب لكي يستمر بيتها الذي فيه زوجها وأولادها آمنًا وسالمًا، وتحاول دومًا تدعيم وتشجيع «عوض» زوجها.
وحين تنال منها الكوارث تقف قوية كنخلة، فتموت طفلتها الصغيرة في حادث نتيجة رعونة زوجها «عوض»، لكنها مع ذلك تواصل، وحين ينهار زوجها ويرحل من صدمة وفاة ابنته، تصمد وتربي ابنها «صالح» وحدها، وتعمل وتكدح. ولا يتوقف الزمن عن ضرباته القاسية فيصاب ابنها بمرضين كبيرين وتظل داعمة ومشجعة ومتحملة لا تنهار أو تسقط، وإنما تظل شامخة دومًا.
وتقف بجوار ابنها حتىيتعافى من شلل أصابه، وحتى ينال الفتاة التي يحبها، والتي تكتشف أنها ابنة «عايض»، ابن عمها الذي كان يريد الزواج منها ويكره زوجها.
وتنجح «مريم» في الصمود وتحقيق النجاح أمام كل محنة تواجهها في الحياة وتنتصر بقوتها ومحبتها، حتىإنها حين تكتشف أن زوجها عوض مازال حيًا بعد هجره لهما تسامحه بعد كل هذه السنوات، وتتم فرحتها بتزويج ابنها من الفتاة التي يحبها.
وعلى مستوى الشخصيات الأخرى، يقدم الفيلم نماذج نسائية قوية وواثقة، فنجد «حنان»، الاختصاصية التي تعالج «صالحًا»، قوية في مواجهة والدها، تفرض وجودها وتفرض حريتها في أن تعمل بمهنة تتعامل فيها مع المرضى الذكور، حتى إنها قد تقترب منهم بحكم عملها، ولا يستطيع والدها الرفض أو الاعتراض. كما نجد طبيبات داخل الفيلم، مما يعكس رغبة صناع الفيلم في تقديم نماذج حية من النساء الناجحات الواعيات القادرات على النجاح عمليًا.
الكادحون..
على مستوى الصناعة، استطاع الفيلم أن يحقق أداء جيدًا، خاصة في تقطيع الزمن، حيث بدأ من الزمن الحاضر، ثم عاد إلى ما قبل 18 عامًا ليتقدم في الزمن مرة أخرى ثماني سنوات، فعشر سنوات وهكذا.. هذا التقطيع للزمن أحدث تشويقًا في نفس المشاهد. كما كان أداء الممثلين قويًا وبارعًا، وخاصة أداء الممثلة «فوز عبدالله» التي قامت بدور البطولة.
وقدم الفيلم شريحة هامة من المجتمع السعودي، شريحة الكادحين الذين يعملون لينالوا قوت يومهم. وبالنسبة إلى المشاهدين من غير المجتمع السعودي، كشف لنا تلك الشريحة التي لا نعرف عنها شيئا، فيعتبر الفيلم واقعيًا؛ لأنه نقل شريحة من الواقع والمجتمع، فنشهد أماكن متوسطة الحال وشوارع عادية، ونساء يعملن ليربين أطفالهن، فيتبدد الوهم الذي يدور في أذهان البعض حول المجتمع السعودي وحول شرائح الناس فيه، فنعرف أن هناك طبقات كادحة داخله تعمل وتجتهد وتشقى وتضربها مأسي الحياة وكوارثها.
عرض الفيلم في الدور السينمائية في المملكة العربية السعودية لأول مرة عام 2022، وعرض فيما بعد في عدة مهرجانات سينمائية، منها: مهرجان أفلام السعودية ومهرجان الإسكندرية ومهرجان العين. ولاقى الفيلم إعجابًا وإشادة من النقاد والجمهور، وهو من تأليف «عبدالهادي السعدي»، وإخراج «سمير عارف».