عبدالرحمن الأنصاري
لا شيء يأتي من فراغ، والنجاح وسط أسواق تشهد منافسة محتدمة يستند إلى خطوات مدروسة وتطور مستمر وتصاعدي، وهو ما ترجمته سوق السينما السعودية، محققة نموًا مبهرًا خلال السنوات الخمس الماضية، عكسته إيرادات شباك التذاكر التي تخطت 3 مليارات ريال، جعلت السينما السعودية الأكثر ربحًا في الشرق الأوسط.
الأرقام التي أعلنت عنها هيئة الإعلام المرئي والمسموع تكشف عن تطورات مهمة للسوق السعودية سينمائيًا، وتُنبئ عن مستقبل واعد لصناعة آخذة في النمو التصاعدي، وهي مؤشرات ناتجة عن جهود متواصلة لتعزيز صناعة السينما، وتحفيز الإنتاج السينمائي.
وبالتالي، فإنّ السينما السعودية أحدثت نقلةً نوعيةً لسوق السينما بالمنطقة، من خلال إنعاش قطاع الأفلام العربية والأجنبية على حد سواء، خاصة أن مبيعات التذاكر في دور العرض السينمائي بالمملكة تجاوزت 51 مليون تذكرة خلال خمس سنوات، وهو رقم ضخم بالمقارنة مع بقية أسواق المنطقة.
يظهر حجم استفادة السينما العالمية والإقليمية من السوق السعودية عندما نعلم أن فيلمًا واحدًا وهو «TOP GUN» حقق إيرادات تجاوزت 84 مليون ريال (أكثر من 22 مليون دولار)، من خلال بيع أكثر من 1.2 مليون تذكرة، فأين كان سيجمعها هذا الفيلم لولا طرحه في دور العرض السعودية؟
على المستوى الوطني، فإن صالات السينما بالمملكة استقبلت 33 فيلمًا سعوديًا، وهو ما يظهر حجم التطور في الصناعة المحلية التي تشق طريقها نحو الريادة والتفوق الإقليمي والدولي، لا سيما أن فيلم «الهامور» الذي عُرض مؤخرًا حقق مفاجآت تجارية بشباك التذاكر، وحافظ على مكانته ضمن الأفلام العشرة الأكثر إيرادات لعدة أسباب في ظل وجود أفلام عربية وأجنبية ضخمة.
ما أريد أن أقوله في هذا السياق، إن السينما السعودية تسير في طريق يجري تعبيدها باستمرار لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الموضوعة، وهي بذلك تُثبت أن النجاح والتفوق ليس أمرًا عبثيًا ولا يأتي مصادفة، لكنه نتاج تصورات مدروسة وآليات قابلة للتنفيذ، وتحفيز مستمر للقائمين على الصناعة لمواصلة الإنتاج.
لا شك أن ما تحقق يعتبر إنجازًا بكل المقاييس، لكن المهم مواصلة التفوق والتطور خلال السنوات المقبلة، وهو ما يحتاج إلى خطوات متضاعفة، واقتحام مناطق جديدة في العمل السينمائي، وزيادة الاستثمار في قطاع السينما من خلال تنمية المواهب المحلية وتشجيع صُناع الأفلام المبتدئين لشق طريقهم، فهم وقود المستقبل.
يضاف إلى ذلك، التفكير في تعزيز أدوات التدريب والتطوير لعناصر الإنتاج السينمائي، لكي يواكبوا التكنولوجيات الحديثة، ذلك أن مهارات صناعة الأفلام لا سقف زمنيًا لها؛ إذ يحتاج الأمر إلى التركيز على التطوير التخصصي للقطاع، على غرار التصوير والمونتاج وتصميم الصوت والموسيقى وغيرها من مراحل الإنتاج، لإدخال أحدث التقنيات الحديثة في الأعمال المرتقبة.
يتعين على قطاع السينما في المملكة تعزيز عناصر جذب الاستثمارات في البنية التحتية، اللازمة لمراحل الإنتاج، وهو بدوره يجذب مزيدًا من المنتجين العالميين، استغلالاً للانطباع الممتاز الذي خلقته مواقع التصوير السعودية أمام الشركاء الأجانب.