أحمد أبو درويش
في حضوره القويّ في الجزأين الخامس والسادس من مسلسل The Crown، يلفتنا الممثل الإنجليزي «دومينيك ويست» أنه أدرك أن هناك بعدين أعمق من المظهر الخارجيّ، للشخصية التي جسدها وهي شخصية «الأمير تشارلز»، وريث العرش، وهما البعدان الاجتماعي والنفسي.
يسقط كثير من الممثلين، في بؤرة تجسيد المظهر الخارجي، بتقليد حركة اليدين والرأس وطريقة الكلام وأحيانًا نبرة الصوت، فلا يقدم لنا إلا شخصية كاريكاتورية للشخصية التاريخية، وكثيرة هي النماذج التي سقطت في ذلك الاختبار الصعب.
لكن المدهش بحق، الممثل الذي يدرس بفهم عميق أبعاد الشخصية الثلاث وهي «الشكلية – الاجتماعية أو الثقافية – النفسية»، بل ويضيف إليها بعدًا رابعًا وهو ما يمكن تسميته بـ«كاريزما الحضور الطاغي».
هذه الكاريزما لا بد أن تكون ذات حساسية عالية، بحيث لا تطغى على هدفه الأهم وهو تقديم تلك الشخصية التاريخية، لا شخصًا آخر، وإن كانت بالفعل تضيف للشخصية كصفة جمالية تلفت العين.
في المسلسل التاريخي الإنجليزي «The crown» الذي قدّم تاريخ العائلة الملكية خلال فترة جلوس «الملكة إليزابيث الثانية» على العرش، بدءًا من طفولتها حتى موتها، ظهر الممثل الإنجليزيّ «دومينيك ويست» في دور الأمير تشارلز ولي العهد، بدءًا من الجزء الخامس، في مرحلة ما بعد الانفصال عن الأميرة ديانا.
وإذا شاهدت أجزاء المسلسل جميعها، فستدرك أن هذا الممثل ترك بصمة قوية داخل العمل، ليس فقط بتجسيده شخصية الملك الحالي لإنجلترا الملك تشارلز الثالث، حين كان وريث العرش، وإنما لإضافته بعدًا جديدًا للشخصية، فإنك لن تشاهد الأمير تشارلز وإنما ستشاهد «دومينيك ويست» وهو يجسد شخصية الأمير تشارلز، وبين الجملتين فارق كبير.
وعلى الرغم من ضعف الكتابة خلال الجزأين الأخيرين «الخامس والسادس»، فإن كفة الممثلين القوية وزنت العمل وقدمته في صورة جيدة، فلم يكن «دومينيك ويست» وحده من أبدع في دوره، بل كذلك الممثل العظيم «جوناثان برايس» الذي قدّم دور الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث، وكذلك من قبله «مات سميث» الذي لعب دور الأمير فيليب في مرحلة الشباب ومن بعده «توبايس مينزيس» في مرحلة النضج. وفي الحقيقة، فإن كل واحد من الثلاثة الذين قدّموا دور الأمير فيليب، قد قدمه بطريقته، وفي هذا دليل على ما نريد إثباته في المقال، بأن تجسيد الشخصية ليس في تقليد حركاتها وسكناتها فقط، إلا فإنك سترسم شخصية كاريكاتورية قد تكون هزلية، وهو ما حدث في كثير من الحالات.
حين تتابع تجسيد «دومينيك ويست» لشخصية الأمير تشارلز وحين تتابع كذلك «جوش أوكونور» الذي أدى الدور ذاته، في مرحلة الشباب، ستدرك أن الأخير قد وقع في فخّ «التقليد الكاريكاتوريّ»، فبدت الشخصية ذاتها بسمتها وغبائها. وعلى الرغم من فارق الوسامة بين تشارلز وأوكونور لصالح الأخير، فإن الممثل فشل في إحداث أي فروقات بينه وبين تشارلز، فظهرت الشخصية وكأنها منسوخة بشكل كربونيّ باهت.
وعلى الرغم من التسريبات التي كشفها برلمانيّ بريطانيّ للصحافة بأن الأمير تشارلز، انتقد أمامه التجسيد السيئ الذي قدمه صانعو العمل له وعدم رأفتهم به، فإنني أستطيع التنبؤ بأن تجسيد «دومينيك ويست» قد أنقذ صورة الملك الحالي للبلاد، وأنها قد نالت رضاه؛ إذ فاضت جاذبية “ويست” وحضوره الطاغي الموحي بحكمة وذكاء عميق حتى دون أن يتكلم.