محمد الخالدي
تخلق صناعة السينما حالة تفاعل واسعة على المستوى الدولي، بفعل قوة التأثير التي تُفرزها أعمال هوليودية ضخمة؛ وهو ما ساعد على خلق مفهوم الهيمنة الثقافية، ذلك أنّ فيلمًا واحدًا يحقق انتشارًا كبيرًا بأغلب الأسواق العالمية باستطاعته أن يغرس الثقافة التي ينقلها إلى عقول المتلقين.
من هذا المنطلق، أدركت دول وحكومات تأثير هذه الصناعة في فرض هيمنة ثقافية على أطراف العالم؛ ما جعلها تتنافس في تحفيز الصناعة الوطنية للوصول إلى مستوى عالمي، يعوّض مئات الخطط الثقافية للانتشار والتعريف بالهويات المحلية، وهو ما يجعلنا نتصور مدى التأثير الذي تركه مهرجان بحكم الأوسكار ومستوى الهيمنة الذي فرضه على صناعة السينما، لدرجة أن شركات إنتاج تركز في أعمالها على معايير الجوائز، في محاولة للظفر بواحدة منها. وبالتالي، فإن الثقافة الأميركية تركت تأثيرات عميقة في صياغة السياسات السينمائية، وهو ما يساعدها على تأطير أنماط السياسة الدولية وتبرير سلوكياتها.
إذا أرادت أمة من الأمم نشر ثقافتها وزرعها في عقول المتلقين في بيئات أخرى، فإنّ عليها التفكير في ركوب قطار السينما سريع الوصول إلى المشاهدين، وقوي التأثير في مدركاتهم، للدرجة التي تجعلهم يعيشون السياق الدرامي للعمل الفني وتحويل الخيال إلى واقع ملموس.
لا انفصال بين الهيمنة السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، فلا يسير محور بعيدًا عن الآخر، ولن ينجح مجتمع في فرض سياساته دون أن يكون لديه أداة تأثير ثقافي تُقنع المشاهدين بنجاعة هذه السياسات وأحقيتها في الريادة والقيادة.
يُنظر إلى السينما الأميركية، على سبيل المثال، بوصفها النموذج الأكثر تأثيرًا في سياق الهيمنة الثقافية من خلال تعزيز صناعة السينما وآلياتها، وباتت شركات الإنتاج الأميركية الكبرى الرائدة في هذا القطاع، ومن خلالها يمكن صياغة الخصائص الإعلامية والاتصالية للسينما.
أقول ذلك، لأن مفهوم الأمن الثقافي العربي لا ينفصل عن سوق السينما بوصفها قطاعًا استراتيجيًا يحقق الاستراتيجية الجماعية للشعوب العربية بوصفها أمة مشتركة في الثقافة والعادات والتقاليد، وهو ما يفرض عليها بناء استراتيجيات ثقافية موحدة، وإن تفرّد كل قُطر عربي بميزاته الخاصة وسماته الشخصية.
على أن ذلك لا يلغي أهمية حماية الخصوصية العربية على مستواها الجزئي، لكن ثمة مشتركات عامة يمكن استغلالها لبناء شراكات سينمائية لإنتاج أعمال تجد لها مكانة في المنافسات الدولية، وتجعل لها صبغة إقليمية، فلماذا لا يكون مهرجان عربي قِبلة صُناع السينما العالميين، على غرار المهرجانات الكبرى، ولنا في مهرجانات البحر الأحمر والقاهرة السينمائي وقرطاج السينمائي خير مثال.
ما أريد أن أقوله أن أمة تستحق أن يكون لها خصوصيتها الثقافية والسينمائية التي تجعلها رائدة، قائمة بذاتها، تضع معاييرها الخاصة التي ينتهجها الآخرون، فلم تُولد السينما الأميركية رائدة من تلقاء نفسها، بل مرّت بمراحل صعود تدريجي وفق خطط مدروسة خلطت بين الاستراتيجيات الثقافية والسينمائية.