إيمان محمد
تعرض شاشات السينما حاليًا فيلم السيرة الذاتية الملحمي عن حياة الإمبراطور الفرنسي «نابليون بونابرت»، الشخصية التاريخية والسياسية التي أثرت الأدب والمسرح والسينما والتلفزيون بتركيبتها النادرة والغريبة، وشكلت مادة دسمة بكل تحولاتها النفسية والاجتماعية والصحية. شخصية بونابرت كانت مدعاة للاهتمام لأسباب مختلفة تبدأ من الصعود إلى قمة المجد حتى السقوط، في تحديها وإصرارها، وفي الإدارة والتنظيم العسكري، وفي قيادة الجيوش، وفي الدهاء الحربي والتخطيط، وفي الانتصارات المتسلسلة والمبهرة.
لفت نظري في الفيلم بداية قبعة نابليون من نوع «البيكورن» المخصصة للعسكرية البحرية، والتي اشتهر ارتداؤها بداية مع أواخر القرن الثامن عشر أو ما يسمى بالعصر الفيكتوري، هذه القبعة أصبحت فيما بعد الرمز المرتبط بنابليون. تميزت هذه القبعة بضخامتها وارتفاعها على الرأس كالتاج الكبير حتى سميت أيضًا بالمدخنة. ظهرت البيكورن سينمائيًا في فيلم جوني ديب «قراصنة الكاريبي»، وظهرت أيضًا على رأس القبطان سيلفر في الكارتون الشهير «جزيرة الكنز» لتفسر التشابه في روح المغامرة مع البحارة التي كانت تتملك نابليون خلال حروبه الثورية على أوروبا وأجزاء من الشرق الأوسط. هذه الروح المغامرة أحد أسباب توحده باتخاذ القرار والانفراد بالرأي، يتجلى ذلك في أحد مشاهد الفيلم الذي قارن بين قيادته الفردية في معركة الهزيمة «واترلو» ومع القيادة الجماعية والمشتركة لقادة إنجلترا ولينجتون وبلوخر.
لم تمر هذه القبعة مرور السلام على كتّاب السينما، بل كانت ملهمة لهم في صناعة العديد من القصص، وطرح العديد من التفسيرات، أشهرها هو قامة نابليون وبنيته الجسدية، وربط تضخيم القبعة بمتلازمة عرفت باسمه «متلازمة الرجل القصير» وحالة التعويض التي ترافقها بشكل مبالغ فيه.
بدأ الفيلم بسرد تاريخي متسارع لنهاية الثورة الفرنسية بسقوط ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، وبمقتبسات أدبية عبرت عن مرحلة من الإرهاب الفكري والاستعلاء الطبقي باغتيال الحرية والمساواة وتفشي الفساد والانتهازية؛ ليتحول بعدها المخرج من السرد التاريخي إلى الغوص في عمق المجتمع الفرنسي، ويتغلغل أكثر بتفاعل الشخصية السياسية المتمثلة في نابليون مع محيطه الاجتماعي والتاريخي بمواقف رومانسية وتاريخية وإنسانية؛ تارة بجدية، وتارة بتهكم أضاف صبغة من السخرية لونت الفيلم بشكل فني متعادل يتناسب مع كافة الأذواق، ويبعد الفيلم عن الصرفية البحتة في السرد التاريخي الممل، وتناول الشخصية بأكثر من بعد وأكثر من منظور؛ ما يزيد صفحات النقد الأدبي والفني والسينمائي له لأكثر من زاوية، ويرتقي به للتنافس مع قائمة أفلام هذه السنة، خاصة مع فيلم السيرة الذاتية «أوبنهايمر».
الجانب السلبي في الفيلم الذي يبدو أقل إقناعًا، هو المكياج السينمائي للجروح في الحروب، خاصة في إصابات الخيول، وفي مشهد تنفيذ الإعدام لماري أنطوانيت، ولقطة تناول رأسها ورفعه بعد قصه بالمقصلة. بشكل عام، الفيلم حمل حوارات أكثر من رائعة، إلا أنها لم تتناسب مع عظمة شخصية نابليون المتفردة؛ إذ بدت وكأنها صادرة عن شخصية محصورة في محيط لم يعرف العسكرية إلا بشكلها الظاهر في المشي والملبس.