سلطان القثامي
يذكر سيرجي أيزنشتاين، المفكر السينمائي المعروف، أن دمج الإبداع، المتمثل في التوظيف الخلّاق للعناصر السينمائية، مع الوعي النقدي في حبكة النص لا تحقق بالضرورة نضج العمل؛ لأن هذين الشرطين صنيعة مؤلف الفيلم ومخرجه فقط. والسينما بوصفها صناعة تفاعلية بين المنتج والمتلقي تتطلب باستمرار ردة فعل الطرف الآخر من العملية حتى تكتمل التجربة.
السينما في هذه النقطة تشبه المسرح في كونها مادة في حالة تأهب وانتظار لمشاركة المتلقي. لذلك شبّه ريتشارد تايلر، كبير المحاضرين في الدراسات الروسية، أيزنشتاين بشكسبير السينما لتشابه هذين الجنسين من الفن في هذا الجانب، وتدليلاً على تأثيره البارز في السينما. كما أن أيزنشتاين يطور قناعات فنية تشابه تلك التي يتبناها المسرحي الألماني بيرتولت بريخت مثل فكرة أن المشاهد هو العنصر الأهم في العمل الفني. فينطبق عليه ما يعتقده بريخت أن العمل يحتاج إلى إثارة متلقيه، فيحاول لتحقيق هذا الهدف بعث التفكير والتأمل، فيصبح العمل الفني تحريضيًا بامتياز.
والحقيقة أن العمل في هذه الحالة يركز على الصراعات الاجتماعية ذات الطابع الملحمي مثل الحرب بأشكالها والثورات والظلم الطبقي. وتحقيق هذا الأثر في المسرح يختلف عن السينما. ولأهمية الموضوع أسس أيزنشتاين نظرياته التي تبحر فيما يسمى «مونتاج الجذب»، الذي كتب فيه مقالاً عام 1923 يحمل نفس الاسم يلخص فيه أهمية هذا المذهب السينمائي في صناعة الأفلام. وبحسب رأيه، فإن المشاهد هو المادة الأساسية للمسرح. فالغرض المقصود من كل مسرحية، كما هو الحال مع الفيلم، هو توجيه عقل المشاهد في الاتجاه المطلوب. ووسائل تحقيق ذلك هي جميع الأجزاء المكونة للمنظومة المسرحية بكل تبايناتها.
فتصبح جميع هذه الأجزاء عوامل جذب تعمل كوحدة واحدة. وعامل الجذب فيما يتعلق بالمسرح، هو أي عنصر استفزازي من المسرح، كالذي يُخضع المتفرج لتأثير حسي أو نفسي، يتم تجريبيًا لإحداث صدمات عاطفية معينة، عندما توضع في تسلسلها الصحيح ضمن الإنتاج، يبدأ المشاهد في إدراك الجانب الأيديولوجي لما يتم عرضه، وهو الاستنتاج العقلي النهائي. فتصبح عوامل الجذب هي وسائل الإدراك للمتفرج. لذلك وجب التنبيه هنا، أن الهدف من الجذب ليس الإثارة فحسب، بل تلك الإثارة التي تقود المتفرج للوعي عبر التفكير أو التأمل.
وكما يصفها أيزنشتاين، فعملية الجذب في العمل الفني أشبه ما تكون بلحظة إطلاق النار تحت مقاعد المتفرجين الهدف منها إيقاظهم ذهنيًا. وشكليًا، تكون الجاذبية عنصرًا مستقلاً ورئيسيًا في بناء الأداء من خلال مخزن الصور الكثيف في تركيبة الفيلم. قام أيزنشتاين بالطبع بتكييف هذه النظرية في السينما، حيث قام بتطبيق نظريته حول مونتاج الجذب على تحرير الأفلام.
لذلك، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجهه صناع الأفلام حول العالم، وفي السعودية بالتحديد، يكمن في فلسفة دمج مثل هذه اللحظات – التأثيرات التي تتطلب انتباه الجماهير وتحثهم على التفكير – في قصته أو منظومته السينمائية. من خلال ملاحظتي الدقيقة للأفلام السعودية، يمكن تصنيف الأفلام حسب مراعاتها لفكرة الجذب إلى فئتين. في الفئة الأولى، تكون فكرة الجذب شبه معدومة أو مُهمَلَة. قد لا يرى صناع الأفلام من هذه الفئة ضرورة دمج هذه اللحظات لشد الانتباه، فهي ليست رئيسية وضرورية للفيلم.
وهنا أرى أن النظرة تجاه إمكانات الفيلم قاصرة على حد تقديري، كون العمل السينمائي محط الدهشة والتأثير ولا يمكن خلوه من هذه اللحظات. وفي فئة أخرى، قد تحضر بين مشهد وآخر، لكن حضورها جزئي ولا يمتد لكامل العمل. وهذه الحالة تعكس تردد المؤلف وربما حيرته في الوصول للمعادلة الصحيحة بين لحظات الجذب واتساق الحبكة في نصه، فيرتاب من إدخال العوامل التي قد تزعزع النص أو تخل بانسيابية الأحداث. ما زلنا نتطلع إلى مشاهدة المعادلة الناجحة في تطويع العناصر السينمائية المختلفة نحو عمل سينمائي مكتمل التفاصيل شكلاً ومضمونًا.