غفران قسَّام
نسختان لفيلم واحد!
مشترك | The Journey | الرحلة | الفيلم |
شركة مانجا السعودية Manga Productions | اليابانية | العربية الفصحى | اللغة |
شركة توي اليابانية Toei animation | كوكبة من نخبة اليابان | كوكبة من نخبة الوطن السعودي والعالم العربي | أداء الأدوار |
صور الأنمي المتحركة | بيتر كوبر وأتسوهيرو توميوكا | عصام بخاري وعمرو المداح | السيناريو والحوار |
تقنية الفور دي إكس 4DX | الياباني | السعودي والعربي | الجمهور المستهدف |
قراءة في تقنية التجربة التفاعلية «4DX»
ماذا أن تعيش عام الفيل! وأن تعيش حكاية بطولة أوس الخيالية! ومعجزة حماية الله لبيته الحرام بالطير الأبابيل، وأن تواجه جيش أبرهة وأحجام أفياله الضخمة الشرسة! هل يمكن؟! إنها السينما بتقنية التجربة التفاعلية، تقرب الماضي إلى الحاضر عبر وسيط إبداعي لفيلمٍ شائق متكامل الإخراج والتصوير والموسيقى والرسوم، والحركات، والإطارات، والانتقالات. لفيلمٍ يرسم لوحة تعاونٍ بين أعرق شركات الأنمي في اليابان كشركة توي الأنيميشن، وبين شركة وطنية أصيلة كشركة مانجا للإنتاج تحكيان معًا للأجيال حدثًا معروفًا في تاريخ شبه الجزيرة العربية، ورواه القرآن الكريم في سورة الفيل.
إذ يتحدث الفيلم عن ملحمة تاريخية في غزو أبرهة لمكة لأجل هدم بيت الله الحرام مقابل أن تعيش كنيسته في اليمن! ويستوحي الفيلم شخصيات خيالية، مثل أوس بن جبير وصديقه زرارة، والقائدين مصعب ونزار، وعائلة أوس. وفي المقابل، يطرح شخصيات حقيقية كجد رسول الله عبدالمطلب، والفيل محمود، وأبرهة الحبشي، ومعجزة الطير الأبابيل. ومما أضافه هذا الفيلم، أن الجمهور يستطيع أن يعيش أجواء بطولة أوس، ومهاراته القتالية، وروحه الدفاعية عن الديار المقدسة وعن عائلته عبر وسيط تلك التقنية التفاعلية «4DX»، تتحرك فيها مقاعد الجماهير وفق الإجراءات التي تظهر في الشاشة السينمائية، لأن المدرجات تحتوي على مجموعة متنوعة من المؤثرات الخاصة المتزامنة مع أحداث الفيلم، مثل: المطر، والرياح، والضباب، والروائح المختلفة. فالجمهور ينزل ساحة الحرب ويتعايش وهو في مقعده: الاهتزاز والغبار مع ضخامة قرع طبول الحرب، ويتحسس خطر طيف جيش أبرهة مع انبعاث الغبار، واهتزاز الأرض مع تقدم جيشه أمام جيش مكة المؤمن الصابر.
بل يرى الجمهور موت الفيل الضخم وارتطامه بقوة على الأرض التي تشققت تأثرًا من ثقله إلا أن جبال مكة بقيت شامخة عتيدة ثابتة! ثم تتوقف موسيقى الحرب، لتعلو من جديد مع رهبة دخول الفيل محمود وارتجاج الأرض تحت قدميه مع هدير صوته. ثم أسراب طير الأبابيل الغفيرة بحجارتها الساخنة الهاوية في أجساد جيش أبرهة، ليعيش الجمهور سعادة أوس بانتصار السماء أثناء هطول المطر، ورؤيته صنع الله القدير في حماية بيته الحرام كي يرويها كما رآها للأجيال القادمة بفخر واعتزاز وإيمان.
وربما من يشاهد الفيلم بنُسختيْه، سيلاحظ أن النسخة العربية هي الأقرب لروح الثقافة في الوطن السعودي، والبلاد العربية عامة؛ فالحوار يستخدم مفردات وتراكيب مألوفة لدى الجمهور المحلي عن تلك الواقعة التاريخية، فمثلاً في النسخة العربية يظهر عبدالمطلب بمقولته الشهيرة لأبرهة: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، لكنها لا تستخدم في النسخة اليابانية بأسلوب بلاغة العربية إلا أنها تحتفظ بالفكرة بلغة بسيطة وواضحة. كذلك مع موقف فلول جيش أبرهة يخاطب القائد نزار قائد أبرهة: قل لسيدك أننا أهل العزم إن تُدعى العزائم، وهي قصيدة شعرية غنائية جماهيرية معروفة؛ وفي النسخة اليابانية: قل لأبرهة أننا لا نُهزم؛ أو في قول زرارة وهو يستعد للإحاطة بالفيل والسهام تلاحقه: من لم يمت بالفيل مات بالسهام، وهو اقتباس من شعر ابن نباتة: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره… بينما في النسخة اليابانية: يبدو أن السهام تحبني! فالصور البصرية السينمائية مشتركة بين النسختين، لكن حضور روح الفيلم يختلف مع اختلاف لغة السيناريو والحوار.
ففي اللغة العربية يظهر توظيف ما يعرفه الجمهور العربي من أمثال، وحكم وأشعار معروفة في البطولة، والشجاعة. أما اللغة اليابانية، فيحضر روح احتفائها بالحكايات الملحمية التي تتداخل مع الإطار الأساسي للأحداث، وتلك الحكايات يوظفها المخرج بخط زمني Timeline يتراوح في سبع دقائق لكل حكاية؛ لتوظيف معنى المعجزة مع البطولة وعدم الاستسلام: كحكاية إيمان نارام في عهد نوح عليه السلام ومعجزة الطوفان، وحكاية راحيل وأفرايم في عهد النبي موسى عليه السلام ومعجزة النجاة وغرق فرعون، وحكاية ثواب في عهد النبي هود عليه السلام ومعجزة الريح الصرصر العاتية.
وتلك الحكايات قد يجدها البعض كفاصل فني لسرد أحداث الفيلم الأساسية لكنها مفيدة في تمهيد الجمهور ذهنيًا لمشهد رؤية أوس لمعجزة الطير الأبابيل، برؤية سينمائية مؤثرة وكأن الجمهور لم يعرفها قط أو حفظها عن ظهر قلب في سورة الفيل! إذ قدم المُخرج مشهد الطير وهي تنقض على جيش أبرهة بتقنية تجمع بين التوقيت Timing والتباعد Spacing، فهي تقنية ترتكز على تنسيق حركة الطير وعدد مرات استخدامها في زمن معين.
إذ يلاحظ توقيت حضور طيرٍ منها مع بداية الفيلم في الدقيقة السادسة تقريبًا وهو يلزم سطح أحد بيوت مكة ليستمع إلى اجتماع الأهالي عن أزمة حرب أبرهة. ثم يحين دورها في الظهور بعد مرور ساعة وثلاثين دقيقة تقريبًا حين يحدث الحدث الذي فعل الخَرْق المدهش وبدل في توقعات أبرهة! فالفيلة لم تنصت إليه، واتجهت جميعها في اتجاه واحد نحو مكة المكرمة وجلست أرضًا. ثم توقيت ظهور الطير الأبابيل أسرابًا تكاد تظهر كالسحابة السوداء تحجب السحاب والشمس، يفعل بها المُخرج تقنية التباعد يظهر فيها مقدار التغيير في رسومات الطير بين كل إطار وما يليه من إطار لتظهر حركتها انسيابية مع شكلها الفني ليرسم لوحة إبداعية في سماء مكة وهي ترجم جيش أبرهة بالحجارة، وكذلك وهي تزج قمة جبل لتهوي على رأس أبرهة الذي لم يعترف بهزيمته لآخر دقيقة!
«الرحلة» عمل سينمائي نوعي مختلف بالتجربة التفاعلية، من إخراج: كوبون شيزونو، وكتابة تعاونية مشتركة راقية بين البلدين: السعودية واليابان. إذ قدم العمل نفسه في صالات السينما المحلية وفي اليابان وفي أوروبا وحاليًا في المنصات الإلكترونية بالنسختين، لكن تجربة ارتياد صالات تقنية «4DX» ستبقى جامعةً في التأثير بين ثراء حضارة النسختين اللتين تقدمان حكاية معجزة حماية بيت الله الحرام عام الفيل بأسلوب الأنمي الياباني الملحمي مع الاحتفاظ بجوهر الحكاية عن جوهرة شبه الجزيرة العربية: مكة المكرمة.
باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما