تركي صالح
السينما فن وصناعة وتجارة، والفن هو القاعدة الأساس والمادة الخام للعملية؛ لذا، فإن تجاوزه والقفز عليه من أجل تحقيق مكاسب معينة في أي جانب أو ناحية هو خطأ جسيم يمارسه عادة من يجهل الصناعة ويستعجل الحصول على أهداف؛ لأنه ينظر إلى المنتج على أنه أداة فقط لا غير.
والمادة الجيدة تستوجب عناية وتسويقًا للوصول إلى أقصى درجات الاستفادة. ولأن السينما في المملكة العربية السعودية أصبحت تلقى الكثير من العناية والدعم، فإن العملية الإنتاجية لا تكتمل دون التسويق.
لا يمكن الوصول إلى إحصاءات حقيقية ودقيقة في أي شأن من شؤون صناعة الفيلم وذلك لعدم اكتمال عملية إنتاج المصنفات الفنية في أوطاننا، لكن محاولة فهم حالة تسويق الأفلام خاصة لا تحتاج إلى كثير من العناية والعناء للتقرير بأنها غائبة أو مهملة.
عند سؤال عدد من الأصدقاء والمعارف حول من منكم شاهد فيلمًا سعوديًا أو «عربيًا»، أو علم به نتيجة حملة إعلانية خاصة بذات الفيلم؟ كانت النسبة 1 من 10، أما البقية فكانت معرفتهم عن طريق البحث في تطبيق دور العرض أو مصادفة في صالة العرض أو حديث الأصدقاء أو تعليق في وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد تحول «triler» من مجرد إعلان تشويقي للفيلم إلى مساحة يتبارى فيها صناع الفيلم، وتعدى مجرد تجميع لقطات من الفيلم «دون إفساد حبكة الفيلم» إلى تقديم ابتكارات توازي قيمة العمل الفني المقدم، ووصل الأمر ببعض شركات الإنتاج إلى إدراج لقطات محذوفة، أو حتى تصوير لقطات خصوصًا للإعلان التشويقي. وهذا يعطي أكبر دلالة على أهمية التسويق والعناية الكبرى التي يعطيها منتجو الأعمال له؛ لأنه من أهم الوسائل التي تجذب المشاهدين، ومن ثم الأرباح المتوخاة من العمل. ولقد وصلت أعداد مشاهدي الإعلان التشويقي في وسائل التواصل لأعمال مثل «dark» و«game of thrones» مثلًا إلى مئات الملايين.
ولكن عملية التسويق ليست عبارة عن حملة ترويجية حصرًا، بل هي عملية ضخمة يشترك فيها الناقد والمخرج والفنان والمسوق والباحث الإحصائي، وهي تستفيد من كل العلوم الممكنة من مهارة المصور وفكرة الفنان ونظرة الناقد وتصور عالم الاجتماع ورأي الخبير النفسي وتحليل الاقتصادي.
ومع تنوع الاختيارات وتعدد منصات العرض، وتغير أمزجة المشاهدين وتشعب اهتماماتهم وسهولة حصولهم على المنتجات الموافقة لرغباتهم، أصبح تسويق العمل الفني سهلًا من ناحية الوصول، لكنه أصعب بكثير من ذي قبل من ناحية الإقناع.
صحيح أننا في بدايات عصر ذهبي للإنتاج الفني، لكننا أيضًا حريصون على البناء على تجارب من سبقنا وليس تكرار أخطاء بدائية والتحجج بحداثة التجربة. فكما نطالب بقصص تخصنا وأعمال تمثلنا، وكما نطمح للوصول إلى مراتب مهمة في صناعة الأفلام وموقع مميز في عالم السينما، فإننا بحاجة لتكامل عملية الإنتاج والاهتمام بعملية التسويق وتطوير آليات تخدم منتجاتنا، وتقديم أسماء وكيانات بارزة في هذا التخصص من العمل الفني.