ياسر مدخلي
تنضج الحركة السينمائية بإقبال النجوم عليها، وأيضًا بقدرتها على صناعة نجوم جدد تتكون بأسمائهم الصفوف الشابة من الممثلين والكتاب والمخرجين. وتقوم السينما بأحد أدوارها، وهو اكتشاف المواهب التي تنطلق في المجال باحثة عن مساحتها وجمهورها، وتعزز حضورها الفكري والترفيهي والجمالي ضمن قطاع اقتصادي واجتماعي نامٍ.
لكن هذه الصناعة لم تنتج لنا حتى الآن فيلمًا لنجومنا الكبار والمتدرعين بتجربة طويلة بين التمثيل والكتابة والإنتاج أمثال: ناصر القصبي وعبدالله السدحان وراشد الشمراني ويوسف الجراح وعبدالله عسيري وغيرهم.. في الوقت الذي عادوا فيه إلى المسرح بخجل، وهذا يدل بوضوح على جرأة الشباب من جهة لاقتحام مجال الأفلام، ومن جهة أخرى يدفعنا لطرح تساؤل حول سبب تأخر النجوم في الظهور في مشروع سينمائي: هل هو لقلة الحماس بدافع الاكتفاء، أو بسبب عدم وجود منتج سينمائي حتى الآن قادر على الإقدام ببسالة على السوق؟ بالذات أن الكثير من الدعم والحوافز التي تقدمها الجهات للإنتاج السينمائي السعودي استفاد منه المنتج الأجنبي وأقدم باستثمار أمواله في بنية تحتية حديثة وبيئة بكر للإنتاج.
أنا اليوم كمشاهد أتمنى أن أشاهد عملاً للأستاذ ناصر القصبي بفيلم يوازي ما يتصدر المنصات من أفلام عربية وأجنبية، كتبتها عقول شابة وورش كتابة في مؤسسات تنضح بفكر مبتكر وكتابة عصرية توازن بين الكتابة الكوميدية والعمق الذي يقدم وجهة نظر وفرجة مميزة.
هنا أذكر ناصر القصبي لأنه كان محورًا رئيسًا في مشروع مهم في 2021 مع MBC وهو «ممنوع التجول»، المشروع الذي تبنى عددًا من الكتاب والمخرجين الذين تميزوا في حلقات حضرت فيها اللمسة السينمائية وسجلت حضورًا شابًا في الكتابة والتمثيل والإخراج يتلاحم مع النجم الأبرز خليجيًا. وأذكر الأستاذ عبدالله السدحان أيضًا لأنه قام بتجربة مهمة في 2018 في التلفزيون السعودي «بدون فلتر»، وقدم فرصًا للجمهور كي يشاهد إبداع المخرجين والمؤلفين الشباب. وكانت السينما حاضرة بجمال صورتها وشخصية مخرجيها، ونترقب هذه الأيام مشاركته المنتظرة في فيلم «نورة».
لدينا بنية تحتية رائعة في السينما وتنمو باتجاه ما نطمح، ولدينا مخرجون بارعون وكتاب مدهشون حققوا قفزات مهمة في ظروف صعبة مثل: هيفاء المنصور وعبدالله عياف وعهد كامل وهناء العمير وشهد أمين وعبدالعزيز الشلاحي وعلي الكلثمي وتوفيق الزايدي وعبدالإله القرشي وثامر الصيخان ومفرج المجفل وفيصل العامر وتطول القائمة. ولدينا شركات إنتاج عديدة وحوافز كبيرة تجعل من الجدوى الاقتصادية لإنتاج الأفلام فرصة استثمارية جاذبة، لكن للشباك كلمة مؤثرة، والجمهور ينجذب للأسماء اللامعة؛ لذلك نجد أن ماسة التاج تتركز على دخول النجوم لهذه الصناعة. إنه أمر مهم للغاية لتنتقل إلى مستوى أعلى يضع الجمهور على عتبات السينما، ويصنع للمنتج سوقًا مجدية من كل النواحي، وبذلك يتخلق أمامنا موسم واضح المعالم لسباق الأفلام ونودع «سينما الاجتهادات» خلف ظهورنا، ونمتلك صناعة يطمح الكبار والصغار إلى تحقيق مكاسبها.
لو ألقينا نظرة خاطفة على المسرح، لحظي باهتمام النجوم من خلال ما صنعته هيئة الترفيه بقيادة معالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي يحرص سنويًا على توفير كل الإمكانيات التي تجذب الجمهور، ونجح في خلق موسم للمسرحيات وأصبح النجوم يطمحون للمشاركة فيه، ويتسابق المشاهد على تذاكر الحضور وتمتلئ الصالات بالمتفرجين.
تخيلوا معي ملصقات لأفلام النجوم بجانب الشباب الذين استطاعوا إقناع شركات كبرى لإنتاج أحلامهم، تخيلوا حجم السوق الذي سيتوسع اقتصاديًا وأثره الثقافي والترفيهي والسياحي والاجتماعي أيضًا عندما يتصدر الإعلانات فيلم لناصر القصبي وجيله بجانب الشباب. هذا التحول مهم، وأظن أن استمرار الإنتاج على الحوافز والإعانات والدعم الحكومي لن يصنع سوقًا، ولن يؤهل منتجين، بل يكرس المقاولات التي لا تليق بخطط تطوير قطاع الأفلام.