طارق البحار
في حين أن مصطلحي «مراجعة» و«نقد» غالبًا ما يستخدمان بكثرة للكتابة عن الأفلام، إلا أن هناك اختلافات بينهما. النقد السينمائي هو دراسة وتفسير وتقييم الفيلم ومكانته في تاريخ السينما، وعادة ما يقدم النقد السينمائي تفسيرًا لمعناه، وتحليلًا لبنيته وأسلوبه، والحكم على قيمته بالمقارنة مع الأفلام الأخرى، وتقدير تأثيره المحتمل على المشاهدين. وغالبًا ما تعلم نظرية الفيلم مثل الأفكار وغيرها إلى جانب التحليل النقدي للفيلم. وقد يدرس النقد فيلمًا معينًا، أو قد ينظر إلى مجموعة من الأفلام من نفس النوع، أو مجموعة أعمال المخرج أو الممثل.
يختلف النقد السينمائي عن مراجعات الأفلام بعدة طرق، فهو يستلزم التحليل والحكم، وقد يتم نشره بعد سنوات عديدة من إصدار الفيلم؛ عادة ما تكون أطول وأكثر تعقيدًا من مراجعة الفيلم. وتوثق مراجعة الفيلم الاستقبال النقدي للفيلم في وقت إصداره، وهو أكثر «توجهًا نحو المستهلك»، مع التركيز على التوصية أكثر من التحليل.
يستمع الناس في الغالب إلى ما يقوله النقاد، وبينما يتمتع كل شخص بحق واضح في تكوين آرائه الخاصة. إذا كان الفيلم يحتوي على درجات منخفضة جدًا من النقاد، فعادة ما يلعب ذلك دورًا مع الجماهير سواء تزامن هذا الدور مع أرباح شباك التذاكر أم لا، فإن الطريقة التي ينظر بها الجمهور عمومًا إلى فيلم انتقده النقاد أو فيلم تمت مراجعته جيدًا عالميًا يختلف كثيرًا.
تمر المملكة العربية السعودية بازدهار ثقافي متسارع الوتيرة تقوده وزارة الثقافة بهيئاتها المتعددة. واستمرارًا لهذا النجاح والدور التوعوي والثقافي أطلقت هيئة الأفلام مؤتمر النقد السينمائي في عامه الأول، حيث عقدت قبله 5 ملتقيات مهمة للنقد السينمائي حول المملكة بالتعاون الذهبي مع موقع سوليوود الشريك النشيط في تقديم الأفلام السعودية والعربية والعالمية وكل ما يتعلق بها، ليكون المؤتمر منصة عالمية تهدف إلى تحفيز الحركة النقدية والبحثية في القطاع السينمائي وإثراء المعرفة السينمائية، إضافة إلى تعزيز حضور المجال في المشهد الثقافي والسينمائي مع صناعة مساحة لمشاركة الآراء بين المختصين ومحبي السينما، مع سلسلة من النقاشات والعروض السينمائية والمعارض الفنية والجلسات الحوارية والأنشطة المهمة لهذه الصناعة المهمة.
أفكار كثيرة تدور حول النقد السينمائي بالمنطقة، خصوصًا في السعودية التي تتجه إليها جميع الأنظار في السينما. وظهر جليًا تقديم النسخة الأولى من مؤتمر النقد السينمائي، حيث سلط المؤتمر الضوء على آفاق ومفاهيم أوسع تحت عنوان «ما وراء الإطار»، وهو تتويج لجهود هيئة الأفلام لإنشاء منصة تبادل ثقافي للنقاد والأكاديميين وعشاق السينما، لتمكينهم من رؤية النقد السينمائي من وجهات نظر مختلفة، والأشكال الجديدة للإدراك، وكيف نشاهد الأفلام بصورة خاصة وفنية؟ وما هي الأفلام التي نكتب عنها؟ وما الذي يشكل السينما؟ وغيرها من الأسئلة، ومناقشات حول الأسئلة الملحّة لثقافة السينما، وفلسفة مفاهيم الجمهور والممارسة الفنية والسينما كفضاء لا حدود له من الفن والإبداع، وظهر هذا جليًا في تقديم عروض «شاعرية الروح» التي تناولت دور عرض السينما كفضاءات روحانية ومساحات للمعرفة، سواء من خلال موضوع الفيلم أو ممارسات المشاهدة وجمالياتها. كما ناقشت كيف تعد صناعة الأفلام ومشاهدتها تعبيرًا عن الإيمان، وتفحص الجوانب الأخرى المتبقية من الروحانية في الفيلم وما يكون أبعد مما نراه أمامنا في الشاشة الساحرة.
يتبقى لي أن أقول «برافو» لهذا التجمع المهم لأكبر الأسماء في عالم النقد، و«حرفيًا» من جميع أنحاء العالم في الرياض التي استقبلت بتنظيم كبير جميع الآراء والأفكار ليستفيد منها صانع الفيلم السعودي في المقام الأول، ويعرف علاقته بأدوات الناقد وكيف يكتب ولماذا قبل أن يشرع في تقديم فيلمه، فهو الهدف الأول للنجاح والتميز، فهو في أمس الحاجة اليوم إلى هذا الدعم المهم، وأيضًا الشباب من فهم أساسيات النقد والاحتكاك السنوي والدوري بالأسماء الكبيرة في هذا المجال، والتواصل بشكل واسع مع المتخصصين السعوديين والدوليين والأسماء الكبيرة التي حضرت هذه النسخة. ولعل وجود المخرج المصري القدير «يسري نصر الله» لدفعة قوية للمؤتمر منذ يومه الأول، والذي عرض مسيرته السينمائية التي بدأت بفهم الصناعة من خلال النقد، وبالطبع دعم جهود المنظومة الثقافية الوطنية في تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية الفكرية على الصعيد العالمي، فالحدث اليوم هو الكبير في هذا المجال وإضافة ذكية لترسيخ اسم وجهود هيئة الأفلام وموقع «سوليوود».