نرمين يسر
يقول المخرج والباحث والناقد هاشم النحاس مخرج الأفلام التسجيلية البديعة «لا أحب أن أركز على مرارة الواقع، المرارة الحقيقية في نظري أن يفقد الإنسان ذاته، والإنسان لم يفقد ذاته حتى الآن رغم كل الحصار المضروب وكل الإعصارات التي تجتاحه، وأملي أن أقف بجانبه في صموده بالكشف عن مواطن قوته، أريد أن أُطلع الناس على أفضل ما فيهم، أن أؤكد أن الإنسان العادي الذي لم يذهب صيته بين الناس، المغمور، والمنسي هو بطل يستحق أن تُخرج عنه الأفلام، ففي أفلام توثيق العلاقة بين الإنسان والأرض على اللمحات الجمالية المثيرة لمشاعر الحنين للوطن والتاريخ».
لماذا أتذكره في هذه اللحظة، إنها فقرة الأفلام التسجيلية الصامتة التي عرضت ضمن فعاليات مؤتمر النقد السينمائي بالرياض في نسخته الأولى، والذي حقق نجاحًا وتفاعلاً بين المشاركين والصناع والضيوف. فالحراك النقدي كان ولا بد أن يوازي حركة الانفتاح السينمائي التي تشهدها المملكة، فللسينما التسجيلية الريادة منذ بدء تكوين فكرة تحريك الصور الثابتة الذي يعد إبهارًا للجميع في عام 1895 على يد الأخوين الفرنسيين لوميير، حيث صورا أولى الأفلام التي تحتوي على لقطات لمدن وبلاد مثل تونس والجزائر ومصر، وبالطبع من فرنسا.
على غرار الأفلام الأولى قدم مؤتمر النقد السينمائي بالرياض مجموعة من الأفلام الوثائقية الصامتة والمصاحب لها عرض حي بواسطة دان فان دين هارك، وهو مؤدٍّ صامت. احتوى العرض الوثائقي على لقطات لعدة دول وبلدان من فرنسا 1925 والجزائر والمدن المصرية ومناطق النيل العليا، وفيلم من إنتاج فرنسا بعنوان «مدينة دمشق بعد القصف» في عام 1925، ومن الهند فيلم «الطيران من إفريقيا إلى الهند» عام 1909. من الواضح أن جميع إنتاج الوثائقيات الأولى فرنسية الصنع في باكورة الإنتاج السينمائي وصناعة السينما.
ماذا لو عدنا إلى عام 1950 إلى أول فيلم وثائقي سعودي بعنوان «الذباب» من إنتاج شركة أرامكو وشركة جراهام اسوسيتس التي أنتجت 40 فيلمًا توعويًا خلال 14 عامًا تقريبا، وبطولة الفنان السعودي الذي يعد أول ممثل سعودي حسن الغانم، الذي تقدم لاختبار الأداء بدون خبرة مسبقة في التمثيل أو حتى مواجهة الكاميرات. إتقانه للغة الإنجليزية ساعد كثيرًا في قبوله لبطولة الفيلم حيث كان الغانم من أوائل المبعوثين إلى حلب وبيروت من شركة أرامكو.
ويدور الفيلم السعودي الأول في تاريخها السينمائي عن محاولة محاربة الذباب، الذي كان في تلك الفترة بمثابة عدو للبيئة وللإنسان،
فقررت الشركة عدم الاكتفاء برش المبيدات وإنما عزمت على توعية المجتمع بخطورة هذه الحشرة وعدوى الملاريا، وما إلى ذلك من أمراض قد تسببها الذبابة، وقد أطلق على الفيلم عنوان «الذباب عدو الإنسان».