حنان القعود
«الكيدراما» والـ«كيبوب» ظاهرة جماهيرية يتبعها جيل بأكمله، لا يمكننا اعتبارها مجرد ظاهرة جيل، بل وراء هذا الاندفاع نحو الاستحواذ على حفلات التذاكر للفرق الغنائية الكورية، وارتفاع نسبة المشاهدة على منصات العرض داخل السعودية تحديدًا للدراما الكورية ووصولها لقائمة الأكثر مشاهدة!! والمفتاح يملكه شباب هذا الجيل.
من هنا بدأت تساؤلاتي ومنذ ما يزيد على عشر سنوات بدأت بمتابعة الدراما الكورية بشكل مستمر كان دافعي في البداية هو الفضول البحت. لكن وجدت نفسي أنجذب لها لأسباب قد تختلف عن أسباب غيري من شباب الـ«young generation».
وقبل كتابة هذا المقال، أو بالأحرى قبل أن تولد الفكرة، كان هناك تساؤل دفعني لطرح عدة أسئلة على مجموعة من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و25 عامًا. وأستطيع اعتبارهم أحد مدمني «العالم الكوري». أي أن إدمانهم تعدى الإعجاب بالفن وتجاوز ذلك حتى وصل للإعجاب بالحضارة، تأثر بالمظهر الخارجي، بالمفردات وثقافة المائدة الكورية وصولًا إلى تبني بعضهم للأسلوب الكوري في إلقاء التعليقات الكوميدية أو الساخرة وخطوط الموضة التركية أيضًا.
الفتاة الأولى 16 عامًا: كانت إجابتها بأنها تجد في الموسيقى الكورية «الفرق المشهورة تحديدًا» اختلافًا كبيرًا عن بقية ما يطرح فسألتها: ما الفرق في رأيك؟ فأوضحت أن الكلمات المستخدمة في أغانيهم لا تقتصر على عبارات الحب والغزل كما هو الحال في الأغاني العربية والغربية، وأن الطابع التحفيزي الإيجابي لحب الحياة هو ما يدفعهم للتراقص على نغماتهم وتقليد خطوات رقصاتهم «المختلفة والمميزة بنظرها».
الفتاة الثانية 25 عامًا: تتابع «الكيدراما – والدراما الصينية واليابانية كذلك» ومن أشد المعجبين بالفرق الموسيقية الكورية. كانت لها نفس الإجابة بشأن العبارات التحفيزية في أغانيهم. «وهذا ما لفت انتباهي».
أي أن الفتاتين جمعتهما الرغبة بالاستماع للتحفيز و«الإيجابية» لكون الجيل الحالي هو جيل عملي عقلاني براغماتي نوعًا ما على عكس الأجيال السابقة التي تربت على مسلسلات التضحية في سبيل الحب سواء للعائلة أو للحبيب!
لنقل إني سأكتفي بهاتين الفتاتين رغم سؤالي لأخريات تشاركن معظم الأسباب والدوافع. والأغلب بأن جميعهن أصبحن من عشاق المطبخ الكوري!
هُنا سأعود لقراءتي شخصيًا للكيدراما لكوني غير متابعة لعالمهم الموسيقي.
سأقوم بتفنيد أساسيات بناء المسلسل الكوري من ناحية «الثيمة الرئيسية» «تركيبة الشخصيات»، ومن ناحية «الأفكار المارة من تحت الماء ولا يخلو منها مسلسل واحد».
فاستنتجت بأن الثيمة غالبًا هي الأجواء المدرسية التي يتخللها طرح قضايا لا يخلو منها مسلسل كوري واحد، وهي قضية التنمر داخل المدارس والجامعات مما يوحي بأنها عائق حقيقي ومشكلة جدية يواجهونها في مجتمعاتهم حيث يوضحون من خلال أغلب المسلسلات كمية وعمق أثر التنمر الذي يتعرض له الطفل والمراهق ويستمر معه أثره حتى بعض النضج وقد يفضي للانتحار. وتأكيدهم على طرح مثل هذه الحالات في كل مسلسل تقريبًا يعطينا مؤشرًا خطيرًا لمدى ما يعانيه مجتمعهم من خطر التنمر وتمادي قضيته.
من ناحية تركيبة الشخصيات يتضح جليًا أننا أمام مسلسل شرقي لا يزال يحتفظ بقيم عائلية تعطي أهمية عالية للترابط الأسري رغم انغماسهم بالحضارة والاستقلالية وهذا على عكس السينما والدراما الغربية! وحتى على عكس بوليوود الهندية التي بدأت مؤخرًا بالانحراف عن مسارها المتبع في التسعينيات الذي كان يدعو في أغلب الأفلام إلى ثيمة حُب العائلة وترابطها، بينما أفلامها الجديدة تتجه بشكل واضح نحو أهمية استقلال المرأة وتنصلها من العادات الشرقية المقيدة لها فيما سبق.
استنتاجي الآخر، الذي في رأيي استخدمه الكوريون بذكاء شديد، هو توظيفهم الذكي للقوة الناعمة في تمرير ثقافة المطبخ الكوري وآداب المائدة الكورية ونجحوا في ذلك بامتياز. فلا يكاد ينتهي مشهد من الحلقة حتى يكون المشهد التالي لمائدة تحوي كل الأطعمة الكورية التقليدية التي يحاولون من خلال الحوارات الكثيرة التي تدور أثناء مشهد المائدة، التأكيد والإيضاح سواء من خلال حركة الكاميرا أو الصوت بأن لديهم ألذ أطباق في العالم وبأن طاولة الطعام هي مكان مقدس، وتتكرر في كل مسلسل ذات العبارة المترجمة بالطبع «شكرًا لك على الطعام سآكل بشكل جيد». كما يحاولون تمرير رسالة بأن أطعمتهم لها دلالات تجلب الحظ السعيد، وبأن كل مناسبة لا بد من الاحتفال بها في نهاية اليوم بوجبة لذيذة يتفننون في إصدار الأصوات عند تذوقهم لها مما يؤثر على المشاهد وكأنه إعلان ممول لتجربة هذا الطبق «وبالطبع نجحوا».
بالتأكيد استطاعوا تمرير قيمة الطعام لديهم. وبالتالي نستطيع أن نرى بوضوح أن منتجات الأطعمة الكورية «المستخدمة في الدراما تحديدًا» وبكل أنواعها، أصبحت ظاهرة «ترند» قوي ومحافظ على صدارته وتشهد عليه رفوف البقالات الصغيرة والمتاجر الغذائية الكبيرة. هذا بحد ذاته ذكاء وتخطيط لا نستطيع الاستخفاف به من صناع الدراما الكوريين الذين استخدموا مسلسلاتهم أو حتى أفلامهم لنشر ثقافتهم وتصدير منتجاتهم بنجاح.
السؤال الذي أنوي إنهاء موضوعي أعلاه به والذي قد أجد له إجابة أعود بها يومًا. ماذا وجد أبناؤنا غير ما ذكرته في هذه الموجة الفنية الشرقية لتتبدل الذائقة كليًا في جيل التسعينيات والألفية وتتحول إلى وجهة الشرق بكل هذا الاحترام والتقدير الواضح لهم؟
ختامًا ما زلت أبحث عن طبق راميون بدون صلصة لاذعة، هل تنصحونني بأحدها.