إيمان الخطاف
يرى البعض أن أقسى ما يعانيه الفيلم الرديء هو التجاهل التام، باعتبار أن النقد السينمائي – وإن كان شرسًا – فهو يعطي هذا الفيلم قيمة وأهمية، في حين يعتقد البعض الآخر أن للناقد دور هام في التصدي للأفلام الرديئة وانتقادها بشكل موضوعي، وتعرية مواطن ضعفها بجرأة عالية.
وفي كلتا الحالتين فإن صانع الفيلم الرديء لن يستريح، فعند التجاهل يعتقد أن الإعلام والنُقاد مقصرين في المتابعة والكتابة عن عمله السينمائي، فهو لا يدرك أن التجاهل يكاد يكون هو الحل الأسلم من وضع فيلمه على طاولة التشريح النقدي الذي لا يحتمله الكثيرون، خاصة المستجدين منهم في هذه الصناعة، علمًا بأن هناك شريحة واسعة لديها حساسية عالية حيال النقد، وقلة هم المنفتحين تجاهه.
وللناقد السينمائي أحمد شوقي عبارة جميلة يقول فيها «أحيانًا من الرأفة بالفيلم ألا تكتب عنه»، وهذه الحقيقية الصادمة لا يهضمها صانع الفيلم في معظم الأحيان، الذي لا يتخيّل أن هناك أية مشاكل في فيلمه، ويغضب من التجاهل النقدي رغم أنه يكاد يكون أفضل خيار لفيلمه المليء بالعثرات.
مع العلم أن الفيلم الرديء هو مادة شهية ودسمة للكتابة، بما يفوق الفيلم الجيد، لأنه يُظهر قدرة الناقد على عرض سطحية الفيلم أو ابتذاله أو سوقية معالجته وضعف حبكته السينمائية، وهي مسألة قد لا يدركها صُناع الأفلام الذين يتعيّن على بعضهم سجود الشكر حال نجاة فيلمه الضعيف من مقصلة النقاد.
كما أن صانع الفيلم ما هو إلا نتاج ثقافة مجتمعه، ففي هوليود نجد النُقاد يسنون سكاكينهم بأريحية تامة، بينما في عالمنا العربي يعتقد البعض أن دور الناقد هو التصفيق أيًا كان العمل، مستندين على التحديات التي واجهتهم أثناء صناعة الفيلم، وهذا أمر خارج سياق النقد، أو مستندين على ضرورة دعم صُناع الأفلام، وقصة «الدعم» صارت مستهلكة أكثر من اللازم، حيث إنها لا تقتصر على التصفيق والإشادة فقط.
ومع التطورات المتسارعة التي تعيشها صناعة الأفلام السعودية اليوم، ازدادت ضرورة امتلاك الناقد السينمائي للجراءة في الطرح، سواء في تجاهل العمل الرديء أو في الكتابة عنه بتجرّد تام من أية اعتبارات شخصية أو عاطفية، ومتى ما وصلنا إلى هذا النضج النقدي في التعاطي مع الأفلام، فإن ذلك هو التجسيد الحقيقي لمفهوم الدعم.
ما يدعو للتفاؤل هنا، هو انطلاقة مؤتمر النقد السينمائي هذا الأسبوع في الرياض، مما يرفع سقف التوقعات بالنظر لأهداف هذا المؤتمر الذي يجمع المتخصصين والمهتمين في مجال النقد السينمائي وثقافة الفيلم، لتبادل الخبرات، وتعزيز المشاركة الوطنية والإقليمية والدولية في الحوارات المتعلقة بهذا الحقل.
وتبدو المفارقة الذكية في تفاوت الأفلام المختارة في عروض المؤتمر، ما بين الأفلام الجيدة والأخرى الرديئة «مثل فيلم باربي»، بما يتيح مساحة للتساؤل والنقاش حول التعاطي النقدي الأمثل تجاه هذه الأعمال، ما بين خياري التجاهل أو النقد الجريء، خاصة وأن المؤتمر يضم مجموعة من ورش العمل التدريبية للمبتدئين والمتخصصين، تتناول موضوعات متعلّقة بالنقد السينمائي، وثقافة الفيلم التحليلية، وهما موضوعان جديران بالوقوف والتمحيص.
وربما يظن بعض صناع الأفلام أن هذا الحدث لا يعنيهم، فهم ليسوا نقادًا، إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، وصانع الفيلم الذكي يحرص على فهم العقلية النقدية ومعرفة سبل التعامل الأمثل تجاهها، خاصة وأن هذا المؤتمر من المنتظر أن يتضمن حوارات مباشرة على خشبة المسرح بين أسماء لامعة في مجالي النقد والإنتاج السينمائي، بما يساعد على رفع الوعي السينمائي وإعادة النظر تجاه واقع الأفلام المحلية.