إيمان محمد
ساعدت السينما بانتقائها أعقد المواضيع وأدقها على إيجاد تساؤلات عند المشاهد حول مواضيع جدلية عديدة يتدخل في تشريعها الدين والقانون والإنسانية، إما بالحياد أو التجريم أو التحريم؛ فتناولت ضمن مواضيعها الاجتماعية والإنسانية حالة ما يسمى بـ«القتل بدافع الشفقة» أو «القتل الرحيم» للحالات المرضية الميؤوس من شفائها أو كخيار لبعض الأشخاص الهاربين من علامات تقدم السن وآثار الشيخوخة، أو لأي أسباب نفسية أخرى. وبغض النظر عن الحكم الديني لمثل هذا الإجراء القاسي، فإنه في الأصل خيار مقيد وغير متفق عليه إجمالًا في العالم الغربي بشكل عام، باستثناء بعض الدول التي اتفقت على اعتماده كوسيلة يُسمح باستخدامها قانونيًا لحالات مختلفة تتفاوت أسبابها من دولة لأخرى، كهولندا وبلجيكا وإسبانيا وكندا ونيوزلندا ولوكسمبورج وكولومبيا وبعض الولايات الأميركية.
اتسع أيضًا تناول هذه الفكرة بعد استثمارها بشكل واسع سينمائيًا في دول صناعة السينما، أميركا والهند وفرنسا وإيطاليا بأفلام وأفكار متعددة يأتي من ضمنها الفيلم الفرنسي «I forget to tell you» الذي يحكي معاناة مصابي الزهايمر. الفيلم قام ببطولته الممثل العالمي عمر الشريف. وتنتهي قصة الفيلم بقتل بطلها بدافع الشفقة والرحمة على يد صديقته التي أحبته وتعلمت منه الرسم، إلا أنها وصلت إلى مرحلة لم تحتمل فيها رؤيته وهو يتهاوى للموت البطيء بسبب الزهايمر، لتعطيه في النهاية جرعة كبيرة من الأدوية دفعة واحدة كي تضع حدًا لألمها أمام تطور مضاعفات الزهايمر لحبيبها وعدم مقدرتها على رؤيته بهذا الحال. وفي دقائق قليلة من أصل 95 دقيقة نقل الفيلم ذروة معاناة مرضى الزهايمر والمحيطين بهم. وفي دقيقة أخرى شديدة الدقة بتفاصيلها جسد ممثلو الفيلم مع المخرج مشهدًا قد يبدو بسيطًا في ظاهره، إلا أنه – في رأيي – من أعمق المشاهد في الفيلم في شحن المشاعر بالحزن والتفكير في المصير؛ اعتمد فيه المخرج على استنطاق السيناريو ببراعة أبطال الفيلم في تجسيد شعور من الصعب تجاوزه بسهولة كما فعلت البطلة في مشهد «القتل» الذي أعقبه بعد ذلك لقطات رومانسية تعبر عن حياة البطلة التي عادت لها بشكل طبيعي وكأن شيئًا لم يكن سوى أنه طيف جميل باقٍ للأبد.
كثير من الأفلام تناولت قضية «القتل الرحيم» أو «القتل بمساعدة»، منها على سبيل المثال الفيلم الأميركي «You don’t know jack» الذي يروي قصة «طبيب الموت» الذي تمت مقاضاته بسبب تبنيه لهذه الفكرة ومناداته بتيسيرها كحق لأي شخص يعاني صحيًا أو نفسيًا. يُظهر الفيلم قصة «جاك” الطبيب الذي تورط في وفاة عدد من مصابي الأمراض المزمنة ودخوله للسجن بعد تورطه بابتكار وسيلة خلاص بمساعدة شقيقته تريح المرضى من معاناتهم الصحية بلا ألم. اشتمل الفيلم على حوارات كتبت بعمق منطقي يتسلل إلى العقل، فاستحق على أثرها الفوز بجائزة إيمي لأفضل كتابة، إلى جانب جائزة أفضل ممثل لبطل الفيلم «آل باتشينو).
تأتي هذه القضية الجدلية كغيرها من القضايا ما بين مؤيد ورافض ومحايد، بمسميات عديدة تلامس بقسوتها خطاب الموت الذي تطور اليوم وأصبح يقدم بصور صريحة وصور مبطنة وبأشكال وغايات مختلفة وبمترادفات قاسية، وأخرى ناعمة كتسميته بـ«الموت بكرامة» أو «الموت بمساعدة»، أيًا يكن مسماه فالأهم هو الفعل بعينه، والطريقة المناسبة في استخدامه وتقديمه «سينمائيًا» بقصص متنوعة تعبر عن قضايا الإنسان ووجوده، أو الإنسان وفنائه بثقافات مختلفة.