نرمين يُسر
فيلمنا اليوم واحد من أوائل الأفلام السعودية الذي طلب مخرجه من وزارة الإعلام تصريحًا للتصوير فأعطوه تصريح تصوير مسلسل تلفزيوني، لأن تصريح تصوير سينمائي يبدو مصطلحًا غريبًا ولم يعمم بعد في عام 2016. نتحدث عن الكوميديا الرومانسية للمخرج والكاتب محمود صباغ لأول أعماله التي تمنحنا لمحة رائعة عن مجتمع جدة المعاصر من خلال عيون أبطاله بركة «هشام فقيه»، وهو موظف البلدية الشاب الوسيم والهاوي للتمثيل المسرحي، وتشمل متطلبات الهواية تلك أداء دور السيدة أوفيليا في مسرحية هاملت بشراء حمالة للصدر، في إشارة إلى أنهم مثل ما كان يفعل الممثلون في عصر إليزابيث الأولى عام 1602، حيث إنه غير مسموح للسيدات ممارسة التمثيل.
يواجه بركة ضغطًا من قبل عائلته للزواج، رغم أنه عديم الخبرة ولم يمس فتاة من قبل، لكنه متابع دؤوب لبركة أو بيبي «فاطمة البنوي» التي تمتعت بعفوية ساخرة تحمل فيها كل تصريح علني لتقبل مخاطر جراءتها. فاطمة أيضًا صاحبة دور مريم في الفيلم السعودي «سكة طويلة»، وفي فيلم بركة تؤدي دور نجمة الإنستغرام التي يتابعها أكثر من مليون متابع رغم أنها تصور نصف وجهها فقط.
يؤدي لقاؤهما بالصدفة إلى قصة حب، ولكن المشكلة الحقيقية هي العثور على مكان يمكنهما فيه اللقاء والدردشة فقط. ليس مطلبًا كبيرًا، ولكنه مستحيل، فالأماكن العامة تخضع لحراسة مشددة ولا يسمح لغير المتزوجين أن يلتقيا، مما يذكرني بالفيلم المصري الشهير «الحب فوق هضبة الهرم» للكاتب نجيب محفوظ وإخراج عاطف الطيب عام 1986 وبطولة أحمد زكي وآثار الحكيم. وذات القصة الحزينة حيث لا يستطيعان اللقاء أكثر من الأماكن العامة والثرثرة بدون تلامس فيلجآن إلى الأماكن النائية مثل سفح الأهرام، لكن الشرطة كانت لهما بالمرصاد.
اختيار هشام فقيه في دور العاشق الخجول هو اختيار عبقري، نظرًا لموهبته في لعب دور بهذه الرقة لشاب عربي عديم الخبرات النسائية الذي ساعد من خلالها في كسر الصورة النمطية وإظهار عالم المملكة السعودية أكثر ثراء وتنوعًا ثقافيًا، فكما هناك تعدد الزوجات، هناك أيضًا الخجولون عديمو الخبرات.
فيلم «بركة يقابل بركة» في مجملة مضحك وخفيف، وربما يكون من أسباب اجتيازه الرقابة عدم التعرض لسياسة المملكة بشكل مباشر ما عدا بعض التلميحات الساخرة والمضحكة. إلا أن بركة تبدلت مشاعره في لحظة إحباط تعرض لها عندما يخبر والده أن الجيل الأكبر سنًا استمتع بشكل أناني من الحريات التي حُرم منها أطفالهم الآن. ويتضح ذلك من خلال عرض شرائط مسجلة تظهر فيها مضيفات الطيران السعوديات على طيران السعودية في أزياء غربية ملونة، وبعض الأفراد يتسكعون على الشواطئ وملابس وأثواب كوكب الشرق أم كلثوم القصيرة، في نفس الوقت التي تعرض فيه «بيبي» فيديو على الإنستغرام تعلن فيه تمردها، الفيديو الذي لا تتقبله والدتها فتأمرها بحذفه، نتيجة لذلك نرى حدود التمرد في المجتمع السعودي.
الفيلم ذو نغمة حزينة، وليس صرخة غضب وتمرد، وإنما تنفيس عن مشاعر مكبوتة لآلاف من الشباب، حيث توقع مخرج الفيلم عدم عرضه بالسعودية، ولكنه صرح بتفاؤل أنه إن لم يعرض حاليًا، فسوف يعرض فيلمه القادم لا محالة. ولكن فيلمه القادم بعنوان «عمرة والزواج الثاني» 2018، عرض كأول عرض دولي ضمن مهرجان لندن السينمائي، بالإضافة إلى فيلم قصير بعنوان «ستوديو العمارية» من إنتاج نتفليكس ضمن سلسلة أفلام قصيرة لمخرجين من العرب مثل: كوثر بن هنية وخيري بشارة وميشال كمون في عام 2022.
رشحت المملكة السعودية فيلم «بركة يقابل بركة» للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي وقد تم قبوله ضمن القائمة الأولية، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان لندن، وعرض في مهرجان برلين في عام 2016 كأول فيلم سعودي يعرض في المهرجان. وانتصر الفيلم لصرخة شباب أراد حرية التعبير بدون قيود رجعية تعوق مسيرته.