عبدالله الزيد
هل سبق أن لاحظتم مثلي أنَّ ثلاجات المسلسلات والأفلام – في الغالب – واسعة، وذات تصميم أنيق، وعلى بابها ملصقات وعبارات لا نراها في حياتنا وثلاجاتنا الواقعية. ثلاجات الأفلام دائمًا بيضاء طول بعرض بسم الله ما شاء الله، تخطف القلوب والألباب وتنحب من أول مشهد، وحينما يفتحها البطل تجدها مليئة بالعصائر والمشروبات وقطع الحلوى. كما أنَّ الإضاءة داخل الثلاجة جيدة، وتضيف على سلة الفاكهة الاستوائية المشكلة والمستقرة في أحد أرففها لمعة من المستحيل أن تعطيك إياها. أطلق تفاحة أو برتقالة أو حتى برقوقة في ثلاجتك أيها القارئ العزيز!
وكله كوم وفازات الورد الطبيعي فوق الثلاجة كوم ثاني، فهو ورد لا يذبل طيلة حلقات المسلسل الثلاثين وكأنه عشبة الخلود في ملحمة جلجامش! طبعًا أنا أقول هذا الكلام على فرض أن الشخصيات في المسلسلات والأفلام لا يحسدون ولا يصابون بالعين! فهي شخصيات مؤقته وغير حقيقية وتنتهي بمجرد انطلاقة عرض المسلسل، وبالتالي اطمئنوا يا إخوان فلن تجدوا البطلة الأنيقة التي تحبونها وهي واقفة تنتظر دورها في طابور مشايخ الرقية الشرعية؛ فقط لأن الأخ عبدالله عطاها عين في مقالة عابرة!
أريد أن أقول إنَّني هنا لا أتداعى أو أتحطم بسبب إضاءة ثلاجة منزلي التي لا تعمل منذ اشتريتها، وأؤكد لكم جازمًا عازما أنَّني لن أستخدم وثيقة ضمان الأعطال كورقة ضغط على الشركة الموردة، لأن ما أضعه في ثلاجتي من أدوية صداع، ومسكنات حموضة، وبقايا بطيختي المهجنة مع ثمرة القرع، وعلب الماء شبه الفارغة؛ كلها لا تستحق حسب تقديري المتواضع أن أُوذي لأجلها خلق الله بالشكاوى والجرجرة في الشرطة والمحاكم.
وما أردت تأكيده هنا أن الحياة ليست فيلمًا ولا حلقة بمسلسل، وبالتالي فإن الثلاجات، والأثاث، وقصص الحب والغرام، والمعاناة الإنسانية في حياتنا الحقيقية لم ولن تكون أو تصبح كما يقدمها السيناريست المهرة إلا نادرًا ونادرًا جدًا. كما أنَّ مواقع الأحداث لم ولن يصممها مخرجو الإنتاج المدعومون بميزانيات إنتاجية ضخمة. ولذا، الحقيقة الفنية تختلف تمامًا عن الحقيقة التاريخية، فالحقيقة بشكلها الفني ذاتية، يصنعها وعي وخيال الفنان كمتغير يزيد من حبكة وصنع تفاصيل الواقعة المدفوعة على شكل حلقات في مسلسل تتقاسمه الإعلانات التلفزيونية، والكاتب هو من يقرر أن تحضر الشخصية في هذا الوقت بالتحديد، ويقرر أن يرد البطل بتلك الطريقة على محبوبته المكلومة كل حسب جهده ومهارته.
صحيح أن هنالك مدراس في الكتابة تحرص أن تؤنسن الشخصيات وتجعلها واقعية قدر الإمكان. ولكن الواقع واقع، كما أن الخيال خيال. وهذا ليس انتقاصًا من الخيال لا سمح الله! بل هو نافذة العبور نحو المستقبل. إنما القصد أن الخيارات والرغبات في الأعمال الفنية مثالية قائمة على الحبكة المشوقة، بينما الاختيار في الحياة الواقعية له حسابات معقدة، ونصوصها مليئة بالخربشات الاجتماعية والنفسية التي شارك بكتابتها الزمن والناس والصمت الوجودي الصعب والمنهك، وقد يسخر الله لنا مستقبلاً معجزة على هيئة كاتب أو كاتبين لا يظهران إلا مرة كل ألف عام! يمكنهما كتابة الواقعة الإنسانية بتعقيداتها وطبيعتها كما كتبها وليم شكسبير في أحداث “ماكبيث” أو تفاصيل حياة بطل «الليالي البيضاء» كما رواها دوستويفسكي.
فيما يتعلق بموضوع ثلاجاتهم وثلاجاتنا، أريد أن أوضح لكم يا إخوان أن جزءًا من الحقيقة الغائبة عن بعضكم هي أن الثلاجة بما فيها من محتويات يعاد ترتيبها وتصويرها عشرات المرات؛ حتى لا يتغير الكادر في المشاهد بسبب نقص حبة عنب، أو علبة زبادي؛ فيخرب المشهد كله! خصوصًا مع كثرة إعادة التصوير بسبب سوء بعض الممثلين أو عدم جدية بعض الممثلات. كما أنَّ محتويات الثلاجة مواد إنتاجية محسوبة على موظف الإنتاج البسيط وقد تخصم من مرتبه إذا أهمل في جردها وحفظها بعد أداء مشهد من المشاهد، وبمجرد انتهاء التصوير يتم جرد الثلاجة وإعادتها إلى مالكها حسب عقود الرعاية، أو ربما توضع في مخازن شركة الإنتاج بانتظار سيناريو جديد قد – أعيد وأقول قد – لا تكون محتويات الثلاجة في المسلسل الجديد بمستوى فخامة ومحتويات المسلسل السابق؛ مع أنني أشك في ذلك! ولا تسألوني عن السبب لأن هذا موضوع يطول شرحه وتفنيده والله المستعان.