إيمان الخطاف
السينما فن وتجارة، فلا يمكن أن تقوم على عمود دون الآخر، ولذلك تتكلف شركات الإنتاج مبلغًا كبيرًا لحملات التسويق، تقارب أحيانًا ميزانية الفيلم نفسه. وهذا الأسبوع، نظمت هيئة الأفلام لقاء افتراضيًا بعنوان «الترويج لصناعة السينما السعودية»، لبحث التصورات حول هذا العنصر المحوري في صناعة الأفلام، وتناول اللقاء عدة محاور، وهي: التعريف بالترويج السينمائي، ومناقشة كيفية التسويق للفيلم، والتعرف على سبل الترويج في قطاع السينما السعودية.
وعلى الرغم من أن اللقاء يدمج بين التسويق والترويج وكأنهما بنفس المعنى، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق، فإن هذا اللبس اللغوي الشائع يعطي دلالة على حالة القطيعة بين صُناع الأفلام والمتمرسين في التسويق، خاصة أن اللقاء بأكمله لم يتضمن متمرسًا أو خبيرًا واحدًا في الشأن التسويقي، وهي معضلة تكشف تقوقع السينمائيين السعوديين إلى حد كبير.
على كل حال، من الضروري أن نتفق على أن التسويق مهم في مرحلة التخطيط الأولية، فالحملة التسويقية هي عبارة عن خطة مسبقة، وليست مرحلة عشوائية تلي صناعة الفيلم – كما يظن البعض – وهذه الخطة تتضمن عناصرها الأساسية: الأهداف، والرسالة، والجمهور المستهدف، والأدوات المستخدمة، والخط الزمني.
ببساطة شديدة، وعند الحديث عن الأدوات التنفيذية، فالمقصود هنا البوستر، والتريلر، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمؤثرون في القطاع، والهدايا المصممة استلهامًا من الفيلم وغير ذلك. ثم يأتي أمر آخر مهم، وهو خطة العلاقات، التي تشمل التواصل الإعلامي مع الصحافة والتلفزيون، والنقاد، وإقامة المؤتمرات الصحفية والعروض الخاصة للإعلام، والمشاركة في الملتقيات والفعاليات السينمائية، وعقد الشراكات والتعاونات مع الجهات المعنية بمضمون الفيلم أو بصناعة الأفلام ككل.
مع الأخذ في عين الاعتبار أن الخطة تبدأ قبل عرض الفيلم بمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وتنتقل للمرحلة الثانية عند عرض الفيلم في المهرجانات أو صالات السينما، وبعدها المرحلة الثالثة في المشاركات الخارجية، أو التنافس على الجوائز في المهرجانات، أو العروض على المنصات الإلكترونية ونحو ذلك، فهي عملية ديناميكية مستمرة.
ربما يبدو هذا الكلام صعبًا أو يميل ناحية التنظير، لكنه سهل بصورة كبيرة، سواء فكر صانع الفيلم أن يضع خطته الأولية بنفسه، أو يستعين بمتخصص أو شركة تعينه على القيام بذلك، مع ضرورة التأكيد أن توزيع الفيلم مسألة مختلفة تمامًا عن تسويق الفيلم، وهذه من الأمور التي يحصل فيها الكثير من اللبس وتداخل المهام في محاولة لسد فجوة غياب التسويق في معظم الأحيان.
وهذا العام، يأتي فيلم «باربي» باعتباره الحالة التسويقية الأكثر نجاحًا، وذلك على الرغم من هزالة الفيلم وضعفه الشديد، إلا أنه استطاع تغيير قواعد التسويق التقليدية للأفلام، وقُدرت ميزانية الحملات التسويقية المصاحبة له بنحو 150 مليون دولار، وفق خطة استراتيجية مدروسة، وأفكار بدت مجنونة أحيانًا، إلا أن الفيلم الوردي تمكن من خلق حالة سينمائية تسويقية فريدة من نوعها.
محليًا، يبدو أن هناك نضجًا في بعض الأفلام السعودية الجديدة، التي تتبع خطوات مدروسة في هذا الشأن، يلاحظها المتخصصون في القطاع، من ذلك فيلم «هجان» الذي تتماشى تحركاته مع حملة تسويقية وإعلامية مُتقنة، وكذلك فيلم «مندوب الليل» الذي يحقق هو الآخر فارقًا تسويقيًا وإعلاميًا وفق خطة مدروسة بعناية.
في المقابل، هناك أفلام رائعة جدًا لكنها ضاعت نتيجة سوء التخطيط، أو ربما عدمه. ففي العصر الذي نعيشه الآن لم يعد كافيًا أن تشتغل على عمل فني مميز ثم تضع يدك على خدك وتعتقد أن دورك انتهى عند هذا الحد، بل أصبحت الخطة التسويقية عمودًا رئيسًا وضرورة في أي فيلم، سواء كان طويلاً أم قصيرًا، فهل يلتفت صُناع الأفلام المحليون لذلك؟