تركي صالح
إن العلاقة التي تبنى مع الهوايات والاهتمامات تكون أقوى عندما تبدأ باكرًا، حيث يكون الفرد أكثر قابلية للتعاطي مع الفنون والنشاطات والعلوم المختلفة، والسينما ليست استثناء من ذلك، فكثير منا بدأ اهتمامه بالسينما من أول الأفلام التي شاهدها صغيرًا، هذا ليس خاصًا بالأفلام الموجهة للطفل، بل يشمل كل الإنتاجات الرائعة، وحتى الأقل جودة وحظًا التي مرت أمام عيني الطفل.
لكن سينما الأطفال تعد من أهم الفنون المؤثرة على الطفل نظرًا لتأثيرها المباشر على حواسه، وهي من أهم المحاور التي تعمل على بناء أجيال المستقبل وتزويدهم بالمعارف والمعلومات والخبرات في المجالات العلمية والتاريخية والثقافية، وتصحيح أفكار الطفل وسلوكياته من خلال المشاهدة المباشرة لأفلام صممت خصوصًا لخدمة هذه الأغراض، والتي تبرز غالبًا القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية، وتبين أهمية العمل الجماعي وأن الخير والسلام دائمًا أفضل من الشر.
وأهمية السينما في التكوين السيكولوجي والتربوي والثقافي للطفل ليست موضع نقاش، فلقد كانت الأعمال الفنية المختلفة وأهمها السينما ذات دور مهم وفاعل في تدعيم شخصية الطفل وفتح ذهنه وتوعيته وكشف خفايا العالم أمامه، وهي تحفز بشكل غير مباشر خياله، وتوسع مداركه الفكرية والنقدية، إضافة إلى كونها وسيلة ترفيهية محببة، وأهم من ذلك طرح الأسئلة لديه؛ تلك الأسئلة التي تنمو معه لتحثه على مزيد من البحث ومزيد من السعي في طريق المعرفة، وهي في كثير من بلدان العالم الأول ظهرت كوسيلة من وسائل العلاج النفسي والسلوكي أيضًا.
هذا في ناحيتها الإيجابية، فهي كما هو معروف أداة خير وأداة شر بحسب استخدامها والغرض منه. لذلك، فإن البلدان الواعية سعت بشكل دائم لصناعة فنون خاصة بها، وأنتجت أعمالاً سينمائية تمثل تاريخها وثقافتها، وتدعم شخصية مواطنيها، وسينما الطفل كما هو معلوم لا تقتصر على الأعمال الكرتونية والأنيميشن رغم أهميتها وشيوعها، لكنها تتمثل في كثير من إنتاجاتها في أفلام ذات قصص جاذبة، وشخصيات محبوبة، ومعالجة سهلة ذات أهداف تربوية وتعليمية، وفي أحيان كثيرة ترفيهية تستهدف فئة الأطفال بالدرجة الأولى.
لكن واقعنا السينمائي يقول غير ذلك، فنحن نعاني من فقر حقيقي في هذا الفرع من الفنون السينمائية، حيث ينعدم في الأعمال المقدمة للطفل عنصران مهمان، هما: الجدية والجذب، فلا الأعمال تتسم بجدية الطرح ومناسبته لعمر الطفل، ولا جودة المنتج وجاذبيته للمشاهد، وهي عملية محبطة للمهتم بالإنتاجات المحلية؛ وهذا يتطلب جهدًا حقيقيًا من صناع الأفلام، فسينما الطفل غير أنها مهمة على مستوى الثقافة وهوية المجتمعات فهي مربحة أيضًا، فشريحة الأطفال والعائلات كبيرة جدًا ومن شأنها أن تحقق عوائد ربحية كبيرة، والكثير من الآباء والأمهات يعرف جيدًا أغنية «بيبي شارك» – مثلاً – على منصة اليوتيوب التي حققت مشاهدات تعدت 13 مليار مشاهدة.
ومن الأمثلة المهمة والجديدة على أهمية سينما الأطفال ونجاحها فيلم «Elemental» الذي بدوره حقق إيرادات وصلت لـ493.3 مليون دولار، وتجاوزت في طريقه الكثير من إنتاجات هوليوود الموجهة للكبار من دراما وأكشن وغيرها. وهو فيلم يقوم على ثنائية بسيطة «الماء والنار» ليعالج مشكلات التمييز وينمي لدى الطفل فكرة التقبل والتعايش مع الآخر وهي من الإشكالات البارزة عند الغرب. إضافة إلى ذلك، فهو ليس خطابًا وعظيًا ولا تعليميًا، لكنه يقدم فكرة في غلاف من الترفيه والخفة والألوان الزاهية والحركة السريعة والأغاني التي أحبها الأطفال كثيرًا.
إن وصفة النجاح بسيطة وشائعة، لكن العمل الناجح يحتاج إلى إيمان وجدية وذكاء.