سلطان فادن
منذ سنوات ودور السينما ومنصات البث المباشر جميعها لم تخلُ من نوعية فنية «Genre» موجودة دائمًا: وهي الأفلام المرعبة. حتى أصبحت صناعة فرعية مستقلة لها المهتمون والمختصون بها والعاملون على تطويرها.
تاريخيًا، تم وصف الأفلام التي سبقت ثلاثينيات القرن العشرين، مثل السينما التعبيرية الألمانية المبكرة وأفلام الخدع، بأثر رجعي على أنها أفلام «رعب»، نظرًا لأن هذا النوع لم يصبح نوعًا مقننًا «Pre-code» حتى صدر فيلم «دراكولا» 1931 «Dracula». لكن من الصعب قراءة وتدوين أفلام الرعب كمسار تاريخي خطي، مع تغير نوع هذه الأفلام على مدار العقود.
فيلم الرعب هو نوع من سرد القصص يهدف إلى تخويف الجمهور وصدمه وتشويقه. ويمكن تفسير الرعب بعدة طرق مختلفة، ولكن غالبًا ما يكون هناك شرير مركزي أو وحش أو تهديد غالبًا ما يكون انعكاسًا للمخاوف التي يعيشها المجتمع وقت صدور الفيلم.
أفلام الرعب هي مجموعة كبيرة وغير متجانسة من الأفلام التي تسعى من خلال تمثيل موضوعات مزعجة وعنيفة ومظلمة، إلى إثارة ردود فعل من الخوف والرعب والاشمئزاز والصدمة والتشويق، وبالطبع الرعب من مشاهديها.
تشتمل أفلام الرعب غالبًا على حوادث عنف جسدي ورعب نفسي، وقد تكون دراسات عن شخصيات مشوهة، أو مضطربة أو ذهنية أو شريرة، وأيضًا قصص الوحوش المرعبة أو الحيوانات الخارقة، أو أفلام الإثارة الغامضة التي تستخدم الجو المحيط لبناء التشويق.
بعض الأفلام المرعبة مستوحاة مما يمكن تسميته «الخدع الحقيقية»، وهي قصص مختلقة صدقها الناس. بينما يستمد آخرون الإلهام من السلوك غير المبرر، أو قد تكون من قصص الفولكلور.
تميل أفلام الرعب إلى اتباع بنية الفيلم القياسية المكونة من ثلاثة فصول. في الفصل الأول يظهر التهديد. وفي الفصل الثاني تتعلم الشخصيات معنى التهديد وتبدأ في القتال. أما في الفصل الثالث، فتواجه الشخصيات مواجهة نهائية مع التهديد؛ إما البقاء على قيد الحياة «يتغير إلى الأبد»، أو الموت.
أهم تقنيات أفلام الرعب تتمثل في الحركة «أكشن» أكثر من الحوار بأن تظهر للجمهور، ودون إخبارهم، بما تخشاه الشخصيات. وأيضًا بالتشويق المتزايد عبر تسريع القصة والحركة لأخذ المشاهدين على حين غرة. كذلك بتقنية مخاوف الفزع، وباستخدام أصوات عالية مفاجئة، أو صور غير متوقعة تجعل المشاهدين يفزون من مقاعدهم.
بعض العناصر التي يحتاجها ويحتويها كل فيلم رعب:
خطر لا يُنسى ولكنه مخيف.
قواعد واضحة في الفيلم للتمشي بها.
الكثير من الشخصيات التي يمكن أن تختفي في أي لحظة.
عنصر المفاجأة.
قصة درامية تمثل مفتاحًا لهدف الوحش أو الشرير.
الموسيقى الموضوعية المناسبة.
إمكانية التكملة.
ذكرت المسوح الميدانية أن أكثر فئة عمرية حاليًا تحب مشاهدة أفلام الرعب هم جيل «Z»، وهم مواليد التسعينيات من القرن العشرين إلى بداية الألفية، وهم مجموعة معقدة، لكنهم واضحون جدًا بشأن شيء واحد: إنهم يحبون أن يكونوا خائفين. وفي استطلاع حديث للأميركان الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و25 عامًا، قال جيل «Z» إن الرعب يحتل المرتبة الثانية بين أنواع الترفيه المفضلة لديهم، بعد الكوميديا.
بشكل عام، يعتبر الجمع بين الطاقة البديهية وطبيعة التفكير الذي يقدمه المحللون وضعًا مثاليًا للاستمتاع بأفلام الرعب. لذلك، تحب الشخصيات البديهية البحث عن المعنى الخفي وتميل إلى إطلاق العنان لخيالها، وتحفز أفلام الرعب تلك الدوافع بطريقة لا يستطيع أي نوع آخر القيام بها.
تم تصميم أفلام الرعب لإثارة مشاعر معينة مثل التوتر والخوف والصدمة. بحيث يمكن أن يتسبب ذلك في إطلاق الهرمونات في الجسم مثل النورإبينفرين والكورتيزون والأدرينالين من الجهاز العصبي اللاإرادي.
من الطبيعي أن يستمتع الإنسان بمثل هذه المواقف التي من شأنها أن ترفع مستوى الأدرينالين لديه وتجعله ينحرف عن الواقع. ومن خلال القيام بذلك، يكون الرعب بمثابة منفذ لمستويات التوتر والقلق التي تنشأ في حياتنا اليومية.
وتتناول أفلام الرعب المخاوف الشائعة وتُظهر للمشاهدين كيف حاولت الشخصيات التغلب على هذه المخاوف. في بعض الأحيان، إعادة مشاهدة المشاهد التي تركز على مخاوفك يمكن أن تساعد عقلك على إدراك أن الشيء الذي تخاف منه لا يمكن أن يؤذيك بالفعل، خاصة عندما يكون ذلك على شاشة التلفزيون فقط أو السينما.
يبقى السؤال: لماذا نشاهد أفلام الرعب؟
وفقًا للنتائج العلمية في علم النفس، قد يبحث الأشخاص عن أفلام الرعب لأسباب مختلفة، مثل تحفيز المواد الكيميائية في أدمغتهم، لمساعدتهم على التخطيط لأسوأ السيناريوهات، أو لممارسة استراتيجيات التكيف والسيطرة.
كما تشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بسمة أعلى للبحث عن الإثارة «أي حاجة أقوى لتجربة الإثارة والتشويق» يميلون إلى البحث عن التجارب المرتبطة بالرعب والاستمتاع بها بشكل أكبر. أولئك الذين لديهم سمة منخفضة في البحث عن الإثارة قد يجدون تلك التجارب غير سارة ويتجنبونها.
نشاهد فيلم الرعب لأنه مريح. إذ إن الشعور بالخوف «بشكل آمن وصحي» غالبًا ما يكون تجربة ممتعة وشافية للعديد من الأشخاص. ويمكن أن يكون هذا صحيحًا أيضًا بالنسبة لأولئك الذين يعانون من القلق. ما لا يعرفه الكثير من الناس هو أن الأفلام المخيفة يمكن أن تساعد أيضًا في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من القلق. يمكن أن تأتي هذه المساعدة في شكل علاج بالسينما. نشاهد أفلام الرعب لإدراك حجم ما يحيط بنا.
فكما يمكن أن يؤدي الترفيه المرعب إلى تحفيز استجابة «مثل نشاط القتال أو الطيران»، التي تأتي مع زيادة في المحفزات والهرمونات الطبيعية. يمكن للدماغ بعد ذلك معالجة البيئة المحيطة والتوصل إلى أن التجربة لا تمثل تهديدًا حقيقيًا. هذه المعرفة بالسلامة الشخصية هي أحد الأسباب التي تجعل محبي الرعب يشاهدون أفلام الرعب بشكل معتاد.
نشاهد أفلام الرعب لزيادة مؤشر الحساسية لدينا. يمكن أن تؤدي مشاهدة الصور المروعة إلى إثارة أفكار ومشاعر غير مرغوب فيها، وزيادة مستويات القلق أو الذعر، بل وتزيد من حساسيتنا للمحفزات المثيرة للدهشة؛ مما يجعل أولئك الذين يشعرون بالقلق منا أكثر عرضة للاستجابة بشكل سلبي وإساءة تفسير الأحاسيس على أنها تهديدات حقيقية «التنبيه هنا واجب».
نشاهد أفلام الرعب للشعور بالسعادة. أحد أسباب استهلاكنا للرعب هو تجربة التحفيز. لأن التعرض لأعمال مرعبة، أو حتى توقع تلك الأفعال، يمكن أن يحفزنا – عقليًا وجسديًا – بطرق متعارضة: سلبيًا (في شكل خوف أو قلق)، أو إيجابيًا «في شكل إثارة أو فرح».
نشاهد أفلام الرعب للشعور بالراحة. إذ تتيح لنا مشاهدة فيلم رعب تجربة استجابات التوتر تلك بأمان، ثم التفاعل مع الخطر المحاكي من خلال قصة إما أن تحل نفسها أو تنتهي، ويمكننا تجربة الآثار الجانبية الإيجابية لتنشيط نظامنا العصبي السمبتاوي.
بعد مشاهدة فيلم رعب، نحن لا نصبح أقوى نفسيًا فقط، ولكننا أيضًا أفضل جسديًا. تخلق أفلام الرعب “توترًا جيدًا” فينا لاحقًا. إذ أظهرت الكثير من الأبحاث أن الإجهاد المزمن والمستمر يقلل من الوظيفة الإدراكية ويكسر جهاز المناعة.
ما عليك فعله بعد مشاهدة فيلم رعب، ولا تستطيع النوم، تجربة التالي:
تحدث عن الفيلم، حتى لو مع نفسك. وأفضل طريقة للانتقال من شيء ما، هو معالجته بشكل صحيح، أو مشاهدة فيلم أو مسلسل خفيف، أو فيلم وثائقي عن كيفية صنع الأفلام، أو حاول النوم والإنارة مضاءة.
الكلمة الأخيرة: حقائق غريبة ومرعبة عن أفلام الرعب:
فيلم «The Shining» للمخرج ستانلي كوبريك، ارتجل فيها الممثل جاك نيكلسون عبارة «ها هو جوني!» عند أدائه مشهد الزوج المتلبس، ولم يكن ذلك ضمن السيناريو.
موقع تصوير فيلم طارد الأرواح «The Exorcist» كان يعتبر مسكونًا بحد ذاته. إذ حصلت فيه أحداث غريبة، وتعطل التصوير مرات عديدة، ومن ذلك نشوب حريق.
فيلم المخرج ألفريد هيتشكوك «Psycho» عن مريض نفسي قاتل، يستند إلى شخصية وأحداث حقيقية.