محمد عبدالله الأنصاري
الاستثمارات المحلية في مجال السينما الآن تشبه الحقول الزراعية، ويمكن تشبيه مفهوم الاهتمام السائد الآن بأحد جوانب الحقل وترك الجانب الآخر خاليًا من الرعاية الدقيقة والتحسين. كما يتعين على المزارعين أن يختاروا المكان الذي يوجهون فيه جهودهم، ويتعين على المستثمرين في صناعة السينما أن يتخذوا اختيارات ذات منظور شامل، وأن يوازنوا مواردهم، ويرعوا الآراء المتنوعة لخلق فرص إنتاجية مختلفة. إن الاستثمار في السينما، مثل قطعة أرض خصبة، توفر نسيجًا غنيًا من الإمكانيات، من عظمة إنتاجات هوليوود إلى سحر الأفلام المستقلة. قيمة هذا العالم وإمكانياته المغرية ليس لها حدود، مثلما يعرف المزارع قيمة تربته، يجب على مستثمري السينما أن يفهموا الفروق الدقيقة في صناعة تتحرك باستمرار، وأن الحقول السينمائية تحمل محاصيل مختلفة في كل ركن.
مثلما يقوم المزارع بري أرضه بعناية، يجب على المستثمرين أن يرووا تربة استثماراتهم في السينما، مما يسمح لمواردهم بالتدفق عبر مجال من الفرص، فإهمال جانب واحد من الأرض يمكن أن يؤدي إلى نمو غير متساوٍ واحتمال ضياع الفرص. إن التركيز بشكل حصري على جانب واحد، سواء كان إنتاج أفلام لجهة إنتاج واحدة، أو التوزيع والترويج لأسماء معينة، أو لنوع وأسلوب معين من الأفلام والمسلسلات، يمكن تشبيهه بترك جزء واحد من المجال يذوي، بمنأى عن مياه التنويع المنعشة.
إن فن تنويع الاستثمار في السينما يعكس ممارسة المزارع للري المتساوي، وكما يضمن المزارع حصول كل جزء من الأرض على حصته من المياه، فإن مستثمري السينما يخصصون الموارد عبر صانعي أفلام مختلفين. هذه الممارسة تحمي من تقلبات السوق، في عالم حيث يمكن لفيلم واحد أن يصنع استوديو أو يدمره، فإن التنويع يكون بمثابة السد، مما يضمن بقاء محفظة المستثمر صامدة في مواجهة موجات النجاح والفشل المتقلبة.. فوائد التنويع متعددة الأوجه مثل العالم السينمائي نفسه. إن تخفيف المخاطر، أولاً وقبل كل شيء، تجعل الأمور أكثر وضوحًا، لأن أهداف المستثمر لم تعد عرضة للفشل المحتمل لفيلم واحد، يمكن أن يأتي النجاح بأشكال عديدة، بدءًا من منصات البث المباشر حتى نهضة السينما المستقلة. ومن خلال التنويع، يستطيع المستثمرون ركوب هذه الموجات، مما يضمن أن استثماراتهم في وضع يمكنها من اغتنام العديد من الفرص الناشئة.
لا تكتمل قصة الاستثمار في السينما دون حكايات الابتكار الإبداعي، التنويع هو المطر المغذّي الذي ينمي هذا الابتكار، ويدعم مجموعة واسعة من المشاريع السينمائية. ومن خلال الاستثمار في استديوهات إنتاج مختلفة، وصناع أفلام مختلفين، يلعب المستثمرون دورًا أساسيًا في تشجيع الأفكار الجديدة والمجازفة والاستكشافات الفنية. تعمل هذه البيئة الديناميكية على تعزيز النمو وإضافة عنصر الإبداع في الصناعة التي لا تقدر بثمن.. لنأخذ على سبيل المثال، استوديو «A24» المستقل الذي اختار إلى جانب تمويل الأفلام الرائجة، دعم فيلم فريد منخفض الميزانية «Moonlight»، ومن خلال القيام بذلك، أصبحوا جزءًا من رحلة فنية حصدت استحسانات النقاد «Winning an Oscar» ومحبي الأفلام. قد لا يحقق مثل هذا الاستثمار نفس العوائد المالية التي يحققها الفيلم الرائج، لكنه يساهم في سينما محلية متنوعة كما يحدث في أنحاء العالم الآن.. ولنتأمل شركات البث العملاقة “نيتفليكس”، التي تعمل على تنويع محتواها عبر الأنواع المختلفة للأفلام بجميع اللغات والثقافات. لن نتسأل عمَّا يحدث بذهن المستثمرين في نيتفليكس الآن، لأننا على يقين أن الخطة والهدف أن يجذبوا كل جمهور السينما حول العالم إلى الحظيرة، مما يثبت أن التنويع يؤدي إلى نجاح كبير، وأن المستثمرين الأفراد الذين غامروا بدعم صانعي الأفلام المستقلين، وتوفير الدعم المالي اللازم لرؤية منظور جديد «نتفليكس»، قد لا تتصدر استثماراتهم عناوين الأخبار، لكنها تلعب دورًا لا يقدر بثمن في رعاية الإبداع والتعبير الفني الذي يثري المشهد السينمائي.
الاستثمار في السينما هو فن لا يختلف عن الزراعة، كما يعمل المزارعون بحكمة خلال ري أرضهم لإنتاج محصول متنوع الجودة، يمكن للمستثمرين السينمائيين ضمان حصاد غني ومتنوع. كل مشروع سينمائي هو بمثابة بذرة، ومن خلال زراعة هذه البذور والاهتمام بها، يمكن لهم في نهاية المطاف أن ينتجوا محصولًا وافرًا ومتنوعًا، يضمن نجاحًا يتسم بالجمال والفن في المسار السينمائي المحلي.