غفران قسَّام
يتناسب الأسلوب السينمائي فيما يُخرجه المُخرج في عمله مع تذوقه للأحداث، وللتجارب الوجدانية التي يرى أهمية نقلها سينمائيًا للمشاهدين. «حد الطار» للمخرج عبدالعزيز الشلاحي الذي يمزج فيه الحكاية بالمكان الشعبي بين الدراما والكوميديا. وينتقل بينهما برؤية إخراجية دقيقة لتفاصيل أمكنة التصوير «حي العواد – وسط الرياض» أبواب المنازل، وألوانها، والأزقة، والبقالة وملعب الحي، والجدران الطينية، وأسطح الجيران المتقاربة…، كذلك تجهيز زوايا التقاط الكاميرا للأمكنة، مع معرفة مقدار دخول الضوء اللازم لصناعة المشهد كما في مشهد حوار دايل مع عمه وهو يحثه على التمسك بمهنة أبيه السياف التي ورثها عن الأجداد. فخطوة إعداد الكاميرا «Setup» تساهم في قراءة اللقطات البسيطة القريبة من البطل والبطلة مثلاً في لحظات المعاناة لتتحدث عن كل شيء الحياة والموت، والارتباط والفراق، والآمال والخيبة. لهذا، يلاحظ أن إعداد الكاميرا يساهم في عرض المشاهدة للجمهور بأسلوب إبداعي يتجاوز نفسه أحيانًا؛ لأن المُخرج صنع الفيلم بمفردات محدودة عن حبكة الحكاية سرور وشامة. فمع اختزال اللغة البصرية، اتخذ الفيلم مضامين أكثر اتساعًا بحكاية دايل وشامة وعائلتيهما. كما يستطيع المُشاهد بشفافية ملاحظة مظاهر حقبة التسعينيات: السيارات، والهاتف، والتلفاز… وغيرها دون الثرثرة عنها؛ لأن الفيلم حكى عنها بأسلوبه السينمائي.
أما أحداث الفيلم، فتدور في قالب متخيل أنشأه الكاتب مفرج المجفل، ويحكي عن جدلية الحياة والموت في حكاية درامية بين دايل ابن السياف، وشامة ابنة الطقاقة. ليجمع بين نقيضيْن – وهو مفيد سينمائيًا – الفرح على إيقاع الطار «الطبلة». والتعاسة إثر افتتاح المَشاهد بصوت القاضي وهو يتلو حكم الإعدام في سرور المرتبطة عاطفيًا به البطلة. لكن ذلك لم يظهر مرئيًا طوال الفيلم إلا برائحة عطر، اكتشف بها البطل دايل عدم إخلاص شامة له! مما أثر لاحقًا في توتر الحبكة، إلى حلول الخمس دقائق الأخيرة التي حول فيها البطل توقعات المشاهدين من تنفيذ الحُكم في سرور إلى العفو عنه ودفع ديته شهامةً؛ لإسعاد البطلة شامة. وتظهر الأحداث متناسبة مع الإخراج الذي جمع بين ما هو مرئي، وغير مرئي. وهو أسلوب سينمائي جيد كما يجده المُخرج سدني لوميت؛ لأنه يتم الإحساس به، وتذوق ترتيب أزمنته الحكائية، وتنسيق بصرياته والتأثر بموسيقاه التصويرية بإخراج أسلوبي يعتمد على فكرة المُخرج التي ترى الحي الشعبي بكل تناقضاته المُمكنة بعدسة جمالية مؤثرة تتحدث عن الكادحين في الحي الشعبي وسط العاصمة، وطبيعتهم، ومهنهم، وعاداتهم حيث مهد الطريق للفيلم نحو العالمية. إذ رشحت هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة السعودية فيلم «حد الطار» لجائزة الأوسكار، لتمثيل المملكة العربية السعودية رسميًا عام 2021 عن فئة أفضل فيلم دولي غير ناطق بالإنجليزية. ولعل الاحتفاء الدولي بالفيلم ويسبقه المحلي وقبله الجماهيري، يعكس نوعية الأسلوب الإخراجي في تشكيل حكاية سينمائية محلية مختلفة رآها النقاد استثنائية في التجربة السينمائية في السعودية.
تلك التجربة، تثير استدعاء عبارة نوڤاليس «سأرشدكم بكل فرح إلى الجانب التقني لفننا وسنقرأ معًا أروع النصوص»، مشيرًا بها إلى التجربة السينمائية كلغة تقنية تترجم السيناريو لمشاهد تنفيذية، وتقدم الشخوص بأزيائها الشعبية، وماكياجها، وحواراتها، وطريقة أدائها مناسبات الطار. كما تنقل أكثر الحكايات تعقيدًا من إطار روايتها إلى إطار الصورة البسيطة بمعايير عالمية. وبالتالي، تُحول لغة الحكاية من الورق للكتابة السينماتوغرافية التي يمكن ملامستها بوضوح فني نوعي في فيلم «حد الطار».
باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما